مارس الكتابة في مراحل متقدمة من حياته حتى تفرغ للعمل الصحافي في صحيفة «عكاظ» منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، ثم عمل في عدد من الصحف الأخرى منها «الشرق الأوسط» و«الاقتصادية» و«الجزيرة». محمد الخضري شاعر معاصر، تنقل في التجارب وعاش مراحل مهمة في تجربة الشعر السعودي. «يشبهك البحر» أول ديوان أصدره أخيراً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن، وتزامن ظهوره مع فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالرياض في مارس الماضي.. بعد هذه الأعوام الطويلة يتحدث الخضري إلى «الحياة» عن البحر الذي يشبه امرأة مستحيلة، وعن دواره في الشعر والحياة بحثاً عن تلك المرأة، عن حال الكتابة والطقس والتضحية لأجل بنفسج القصيدة، فإلى الحوار. لماذا خرجت من الحدود وذهبت للنشر في دار فضاءات؟ - اختياري لدار فضاءات للنشر والتوزيع أتاني لمرتكزين أساسيين الأول انتشار الدار على مستوى العالم العربي ومشاركتها في معارض الكتاب كافة في العالم العربي، وهذا يمنح «يشبهك البحر» فرصة للوجود في مناطق مختلفة من العالم العربي، وثانياً أن صاحب الدار ومديرها العام الأستاذ جهاد أبوحشيش شاعر مميز على مستوى العالم العربي، وهذا بحد ذاته يسهل لغة الحوار والتواصل بينه وبين المؤلف وبين المُنتج. حدثنا عن عوالم الكتابة لديك وتحديداً في عوالم القصيدة؟ - الكلام عن الكتابة عموماً والشعر على وجه الخصوص يحتاج إلى تهيئة ذهنية متواصلة لاستجلاب المعاني التي تصل إلى المتلقي حول ماهية الكتابة وماهية الشعر، وتأتي صعوبة الكتابة عن الشعر كونه حال تفرد إنساني لا تخضع لمعايير الوقت ولا ترتيبات الطقوس المعتادة في ممارساتنا الحياتية، إن ومض الشعر عملية اشتعال سريعة الانطفاء بحيث لا تمكننا من محاولة السيطرة عليها قبل أن تشتعل، وكتابة الشعر عملية اختلاس نادرة الحدوث، أما تجربتي مع الكتابة ومع الشعر فتمتد لمراحل باكرة من حياتي، ذلك لأنني عشت في كنف والدي رحمه الله الذي كان أديباً وشاعراً، وكان مجلسه عبارة عن منتدى أدبي ترتاده نخبة من أصدقائه الأدباء والشعراء، وأذكر أنني من شدة ولعي بالشعر كنت إذا استعرت ديوان شعر من صديق أو زميل أو حتى من مكتبة والدي، كنت أقوم بنسخ كل قصائد ذلك الديوان على دفتر، وإن كنت لا أنسى أنني نسخت المجموعة الشعرية الكاملة لنزار قباني وغيره الكثير، ورحلتي مع الشعر أساسها الكلمة.. فأنا اعتدت منذ مراحل باكرة من عمري أن أحتفظ بدفتر وقلم بجانب سرير نومي، لكي أدون أية كلمة أسمعها فتترك أثراً أو صدى في وجداني، سواء من قصيدة شعر أو أغنية أو كلمة في سياق حوار تلفزيوني، وكذا كنت أحتفظ بقصاصات لا حصر لها من الصحف والمجلات، وحتى الروايات التي كنت أقرأها كنت أدون ما يعجبني من فقرات منها، بإيجاز أقول أنا رجل سريع الانجذاب لغواية الكلمة. لماذا أصدرت الآن «يشبهك البحر»؟ - مارست الكتابة كما ذكرت لك منذ مراحل باكرة جداً من حياتي حتى أتيحت لي الفرصة بالعمل في صحيفة «عكاظ»، ما ضحيت لأجل العمل الصحافي بوظيفة أستطيع أن أقول إنها جيدة في الحكومة، وتعرضت للوم الكثير من الأهل والأحباب لتركي الوظيفة الحكومية التي يتمناها الكثير من الشبان، ولكن حبي للكتابة جعلني أضحي بتلك الوظيفة، ثم إنني كنت ولا أزال أعشق المغامرة. يثيرني استكشاف العوالم المجهولة لدي وحتى ما اكتشفتها عدت للبحث عن مغامرة أخرى في مكان آخر، وهكذا لم أستقر في وظيفة واحدة أكثر من عام أو عامين. ولماذا فكرتُ الآن بإصدار «يشبهك البحر».. الحقيقة كنت متردداً كثيراً في إصدار ديوان أو حتى نشر أي نص شعري، ولكن حين بدأت الكتابة في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عرفني كثير من المتابعين، وكان السؤال الذي يطرح عليّ.. هل لديك إصدارات مطبوعة؟ ومن هنا أتت فكرة «يشبهك البحر» ولو أنها متأخرة. لماذا «يشبهك البحر»؟ - البحر عالم مليء بالحياة بكل تناقضاتها، البحر فيه خير كثير ورزق وفير، ولكنه مخيف وغدار ولا يؤمن جانبه، وأن أشبه البحر بها، فذلك يعني أن تلك المرأة لم توجد على وجه الأرض، ولم ينجبها رحم الحياة بعد، مع أني أريدها امرأة من هذا الزمان، كما قلت في أحد نصوص الديوان «امرأة من هذا الزمان».. امرأة تأتي من قاع النهر أو من شقوق الأرض، إنها امرأة تملك شجاعة كل نساء الأرض وعنفوان غابات الأرض واخضرار العشب، تلك المرأة هي التي أنشد، فأنا أمضيت عمري أبحث عن امرأة غير عن كل نساء الدنيا، امرأة لا تشبه بقية النساء في أي شي.. امرأة يندر تكرارها ووجودها، ولا يزال عندي أمل حتى آخر لحظة في عمري بأني سأجدها يوماً ما في مكان ما على وجه هذه الأرض، ربما أجدها تجلس بجواري على مقعد الطائرة في رحلة من المجهول إلى المجهول، أو ربما ألقاها في محطة القطار أو في مقهى أو على رصيف يعبر فوقه الغرباء والمسافرون، لا أدري كيف وأين ومتى سأجدها؟ ولكن حتماً سألقاها، وفي «يشبهك البحر» ستجد الكثير من الحوارات والرسائل المتبادلة بيني وبينها، حتى حين كتبت «بحر بلا دوار» كنت أحاول استلهام إحدى رحلاتي إلى المجهول للبحث عنها، حين قلت: «يتسلل كالليل فوق سطح السفينة.. ثابت كالشراع، تهزه الموجة.. يصمد في وجه الريح، يفتح رسالة أمه.. يقرأها أي بني لا تركب البحر دون وداع فالحب يخطف منا الأماني الجميلة» ولن أتوقف عن البحث فأنا سأواصل البحث حتى يتوقف الشعر عن الكلام، وما زلت في منتصف الكلام. شاركت بالتوقيع على ديوانك في المعرض الدولي للكتاب الذي أقيم أخيراً بالرياض، كيف رأيت التجربة؟ - مثيرة جداً، وأشد ما لفت انتباهي كثرة العنصر النسائي الذي كان أكثر بروزاً في السؤال والبحث عن الكتب من الرجال، واللافت أن معظمهن يبحث عن القصة والرواية. ألا ترى أننا نعيش زمن القصة القصيرة والرواية عموماً؟ - نعم، أتفق معك إنه زمن الرواية فالكل يكتب الرواية والقصة القصيرة، وهذا أمر جيد إلا أن الشعر سيعود لوهجه وستعود له إطلالته، حتى في عز بروز الرواية، ولعلي لا أضيف جديداً أن ولادة قصيدة شعر عملية مخاض يزلزل الأرض تحت أقدام الشاعر، كما أن الشعر تعرض لعملية تهميش مقصودة ومتعمدة وتربص ماكر به، ذلك أنهم قولبوه وحصروه في المناسبات، وجعلوا منه أداة احتفالية ممجوجة، بينما الشعر في تكوينه مخلوق ذاتي شديد الحساسية وسريع العطب، وفي زعمي المتواضع أن قراءة قصيدة شعر أصعب من كتابتها، علينا أن نعمل بكل وسائلنا المتاحة لدينا، وهي محدودة القوة والسطوة لإخراج الشعر من أجواء الاحتفالات والمناسبات وتركه يعيش عالمه من دون تدخل من أية جهة. إن لدي اليقين الأكيد أن الشعر سيظل الصورة الأجمل والأنقى للكلمة.