بعد ما اجتاز الخمسين كتابا، لا يكف الشاعر البحريني علي الشرقاوي عن البحث و التعلم و المغامرة في كل أشكال التجارب الحياتية. فهو كقصيدته، جملة من التمازجات الجمالية بين شاعر حداثي مولع باللغة و "نهام" مواويل بحرية يجول بأشعار أزقة "الفرجان" القديمة كل مساء. في هذا الحوار نقترب أكثر من علي الشرقاوي، ندخل أحد عوامله.. مكتبته الليلية المهجورة إلا من الأصدقاء و الأحبة، نخوض معه نقاشا حول تجربته الطويلة مع الشعر و تحولات الكتابة، لنتوقف عند تجربة كتاب الشين الذي اتهمه فيه البعض بأنه متأثر بأدونيس وهو ما رفضه في هذا الحديث الذي أجري في البحرين مساء الاثنين الماضي: مازلت أبحث عن مؤسسة قادرة على أن توصل ما أكتبه للآخرين - يواجه الباحث و القارئ صعوبة في الحصول على كتبك خارج البحرين، ما هو السبب؟ = السبب، أن أغلب ما تنشر أعمالي في البحرين إلى جانب تلك التجارب العامية من مواويل و أشعار محكية كلها تمس وتعني القارئ البحريني. أضف إلى ذلك أنني أطبع وأوزع للأصدقاء وأي شخص مهتم أحاول أن أوفر له مجموعاتي الموجودة. - عندما جئت لأبحث حول منجزك.. حيرتني، لم أعرف من أين أقبض على شخصيتك الشعرية، من بدايات الكتابة السياسية و انتهاءً بالصوفية وكذلك القصيدة المحكية.. لذا من أين تود أن نبدأ؟ = انظر، لدي تجارب متعددة وبدايات متعددة من كتابة المسرحية إلى القصيدة الغنائية و الآن القصيدة العامية للأطفال. ولكن بعد هذا العمر و تأليف خمسين كتابا مازلت أبحث عن مؤسسة قادرة على أن توصل ما أكتبه للآخرين، لا وزارة ولا غيرها. - أنت تكتب في كل الاتجاهات، ولا تتعالى على أي نوع كتابي؟ = أنا لا أتعالى على أحد و لا أتنافس مع أحد و لا يهمني العالم كله. - إلى أي مدى عدم تعاليك وانشغالك بالقصيدة المحكية أثر على حضورك كشاعر قصيدة حديثة فصيحة في الخليج و الوطن العربي؟ = هذا كلامٌ نقدي، وهذا حكم يمكن أن نطلقه في حال قُرئت التجارب المحكية. وهذه أطروحة طرحها قبل فترة علوي الهاشمي. - لم أطلع عليها؟ = حسنا، الهاشمي يشير إلى أن القصائد العامية أثرت على القصائد الفصيحة في تجربتي. وأتصور أن هذا الأمر غير صحيح، لأنني عندما أكتب بالعامية أنتقل إلى فضاءات أخرى غير موجودة في تجربتها لا على مستوى البحرين أو الخليج أو الوطن العربي. وأتصور أنني حاولت أن أدخل في أقاليم وتجارب غير مطروقة من قبل. ربما أكون الوحيد الذي عمل على قضية موت المؤلف في الشعر - هل لأنك لا تحب أن تحصر في مكان؟ = أجل، دائما ما أحب أن أكون حرا في تناولي، بعض الأحيان أجلس على "الفيسبوك" وتعجبني وجهة نظر معينة أكتب، وليس مهما لدي من هو هذا الشخص بقدر ما أحاول أن أوصل نظرة ايجابية إلى الحياة. وقد اختلفت تجاربي الآن عن تجاربي السابقة، وقد ترى الأمر في تجربتي الجديدة و التي هي قيد الطباعة بعنوان: (البحر لا يعتذر للسفن) و هي تجربة قريبة من (كتاب الشين) وقبله (أوراق ابن الحوبة)، وأنا أتطرق هنا إلى قضايا كثيرة لا قارئ و لا ناقد يستوعبها. - دعنا في كتاب الشين؟ = خذ مثلا: في (كتاب الشين 1998)، هنالك كثر لا يعرفون أن هذا شعر، وأن ما كتبته في كلمة حققه: علي الشرقاوي هي لعبة شعرية، و التحقيق هنا يأخذُ بُعدين، حققه أي أنجزه و الآخر هو التحقيق كأنه كتاب قديم أقوم بتحقيقه ولكن لأن الآخرين لا يقرأون يقولون ان هذا كتاب تحقيق. - ولكن قراء الشعر يعرفون أن (كتاب الشين) كتاب شعر؟ = اعني الآخرين. - ولكن في هذا الطور الذي تكتب، ثمة نوع من الغموض، يدخلنا إلى منطقة يلتبس فيها المعنى. هل أنت مصر على الكتابة لنفسك؟. = كثيرون لم يعرفوا اللعبة التي لعبتها، هنالك كما تعرف مسألة (موت المؤلف) وفي تصوري الشخصي ربما أكون الوحيد الذي عمل على قضية موت المؤلف في الشعر. في كتاب الشين أو في تجربة (من أوراق ابن الحوبة) جمعها ورتبها.. وهذا يعني موت المؤلف، وفي تجربتي القادمة (البحر لا يعتذر للسفن) أيضا ثمة قضية موت المؤلف. وفي هذه الكتاب القادم، ليس ثمة شعر وإنما تداعيات بحار فقير يدعى علي الشرقاوي. أما قضية الغموض فأقول: انك عندما تدخل في تجربة جديدة إنسانية وصوفية فمن الصعوبة أن تفهم القصيدة. القصيدة شيء وحيد مثل المشاعر لا تفهم، إنما تعاش و بون شاسع بين المعايشة و الفهم، من هنا أرى أنني لا أريد أن أفهم القصيدة وإنما أريد أن أرى ما تفعله في، وعندما أقرأ قصيدة لا يعنيني الشرح أو ما يريد أن يوصله الشاعر، المهم كيف وصلت هذه التجربة لي. القصيدة تتحول من ملكية الشاعر إلى ملكية القارىء وهو الذي يدافع عنها فإذا كانت جيدة سيدافع عنها و ستتنامى داخله بحيث من فترة لأخرى يمكن أن يرجع إليها. - كتاب الشين تجربتك الأشهر والأكثر لمعانا في الخليج العربي لكن كيف تولدت لديك هذه الفكرة؟ خالد الشيخ أدخلني عالم القصيدة المحكية وفي بداياتي كنت ضدها = قبل هذه التجربة كان لدي كتاب اسمه (مخطوطات غيث ابن اليراعة 1990) وفي هذه المخطوطة ثمة متن وهامش وهما يدلان على علاقة المركز بالهامش أو الأطراف. حاولت في كتاب الشين أن أعطي الهامش المكان الأكبر وليس المتن، لذا أنت تلاحظ أنني قدمت ثلاثة هوامش، وعمليا لو كان في بالي لوضعت أربعة هوامش ولكن القضية تحتاج أحدا أن يعمل معك في بعض الأحيان، ومشروع المخطوطات كان يفترض أن يظهر مع مخطوطات غيث بن اليراعة في الثمانينيات ولكن تلك الفترة لم تكن ثمة إمكانيات. - تريد أن تقول ان الفكرة موجودة منذ تلك الفترة؟ = موجودة منذ 1971وأنا استخدم الهامش، فيما بعد تطورت التجربة. وهنالك من يقول: " تأثر الشرقاوي بأدونيس" و السؤال لماذا لا يكون أدونيس تأثر بالشرقاوي أو لماذا لا تكون تجارب كليهما جاءت لتفكر في قضية واحدة. وكنت قد سمعت عن كتاب (الكتاب 1995) لأدونيس وأنا اكتب في (كتاب الشين) ولم أقرأ كتاب أدونيس، لأن لدي عالمي الخاص الذي أعمل عليه، هنالك في الهامش حيث أريد أن أحركه، وسترى أن الهامش في تجاربي الثلاث (أوراق ابن الحوبة) و (كتاب الشين) و (مخطوطات غيث) ستجد أن الهامش يتحرك. - ولماذا إذاً لم يتم الاحتفاء بكتاب الشين كما ينبغي عربيا؟ = كثير من النقاد في العالم العربي لا يقرأ، التجربة الوحيدة التي أقف عندها للناقد علوي الهاشمي في كتاب قصيدة (الحياة). و الآخرون لم يجهدوا أنفسهم، لم يخوضوا تجربة الصراع مع الكلمة، هنالك العاب كثيرة موجودة في النصوص ولكنك تريد إنسانا يتقن اللعبة معك وإذا الناقد لا يجيد اللعبة معك فهذه مشكلة. - لا يمكن أن أجلس معك ولا نتحدث عن القصيدة المحكية وسؤالي هو متى تلجأ للشعر العامي؟ = انظر في بداياتي كنت ضد القصيدة المحكية، على اعتبار أنني أرى في الفصحى النهر والقصيدة المحكية هي جدول أو مجموعة جداول صغيرة. وفي العام 1977 كنت ألعب، ودائما ما اعتبر الكتابة بالنسبة لي لعبة روحية، فدخلت في الكتابة المحكية وكنت في تلك الفترة أسمع بفنان اسمه خالد الشيخ ولم التق به، وشعرت أن هذا الفنان يحمل أشياء جديدة ومختلفة عما هو موجود في الساحة لذلك كتبت قصيدة (اجروح قلبي وتر). - ولكن خالد الشيخ لم يبدأ بعد في إصدار البوماته؟ = كان يعمل مع محمد يوسف في تلك الفترة، كان موجودا كملحن، ومنها بدأت ألعب في تجارب ثانية اسميتها قصائد (أفا يافلان) وكل هذه القصائد كتبتها في ظرف شهرين وبعد فترة نشرتها مع زوجتي فتحية عجلان، التي كتبت (شمس الظهاري) و أنا (افا يا فلان) وجمع في كتاب واحد لم يُفهم لأنه كان فيه لعبة ما، فهو كان يقرأ من الجهتين. ويبدو أن الناس تحتاج إلى أجيال كي يستوعبوا التجارب الموجودة و الجديدة. - تحدثت حول السيدة فتحية العجلان.. حدثني كيف تولد فكرة القصيدة المشتركة؟ = هذا الأمر له علاقة بالملحن، نحن لا نجلس معا لنكتب ولكن يأتي خالد الشيخ ويجمع بين قصائدنا ليكون قصيدة و إذا هنالك شيء ناقص أكمله أو تأتي فتحية لتكمله. وهنا مشتركة أي من خلال الدور الذي يقوم به الملحن. - وماذا عن قصة مجموعة (افا يا فلان ) المشتركة؟ = كنت داخل السجن وهي في الخارج، وكانت هذه التجربة أشبه بحوار بين اثنين، زوجين، عشيقين، حبيبين، بين الداخل و الخارج، لذا جاءت تجربة مشتركة وباقي تجارب فتحية نشرت لوحدها. - كيف هي علاقتك بالثقافة في السعودية؟ = لدينا أصدقاء كثر ليس من الجيل الحالي وإنما من شعراء الجيل السابق إلى آخر التجارب من محمد العلي إلى علي الثبيتي ومحمد الدميني و حسن السبع و محمد جبر الحربي و آخرين. وكان ذلك الجيل أكثر تواصلا من هذا الجيل. - ماذا تكتب هذه الأيام؟ = أكتب مقالات في الصحافة عن ذكريات الحياة التي عشتها بين فترة (1956 إلى (1962) ومقالات أخرى. - كيف تنظر لمسألة اللغة في الشعر وهي مسألة بارزة في كتاباتك؟ = اللغة مسألة هامة بالنسبة لي، لا بد من أن تكون لغتك ثرية ولغة تتفجر. فعندما تنوي تفسير القصيدة تظهر لديك أشياء أخرى. خذ مثلا: القصيدة الجديدة تحتاج إلى قارىء أسميه بالقارىء الجديد فعندما يقول الشاعر (الأشجار هنا تتحرك) والسؤال هذه الصورة من أين أتت، هي لم تأت ببساطة، يجب أن أعود إلى الذاكرة إلى زرقاء اليمامة عندما كانت تقول (أرى شجرا يتحرك) بهذا المعنى عندما أقول ان (الأشجار تتحرك) أي أن هناك غزوا خارجيا ويجب علينا الانتباه. وهذه كلمة بسيطة تحمل أبعادا كبيرة وهذا الأمر يحتاج إلى قارئ مثقف وأنت لا تأتي لكي تعلم الناس وإنما تأتي لتقدم تجربتك الروحية. - كيف تصالحت مع التكنولوجيا وخاصة الانترنت؟ = قاسم حداد هو من دعمنا في فترة ما وهو أول من اشتغل على التكنولوجيا بالنسبة للأصدقاء. في ذلك الوقت كنت مترددا إلى أن اشتريت كمبيوتر (أبل) وبدأت أتعلم ثم توقفت وبدأت في مرحلة الأخرى، أكتب نصا بسيطا على الكيبورد أما الآن فأنا أكتب مسرحيات. لذا يمكن القول انه اذا تعلم علي الشرقاوي وأمين صالح الكمبيوتر فإن بوسع كل إنسان في هذا الكون أن يتعلم. - وماذا عن الفيسبوك؟ = لا أزال في بداياتي وهنالك الأصدقاء الموجودون يقومون بإعداد كل هذه الأشياء وأنا أقوم بإتمامها. وقبل فترة كتبت مقالا عن الفيسبوك على اعتبار أنه مكان جيد للنشر ولم يعد ثمة عذر للكاتب بأن لا يوجد من ينشر له. والآن ممكن أن تنشر قصيدتك وسوف تصل إلى الكثيرين بسهولة. - إذا كيف ستستثمر مستقبلا الانترنت بعد أن وجدت فيه فضاءً يجتاز دور النشر الورقية؟ = أحاول الوصول إلى طرق جديدة بحيث أحول كتبي إلى الفيسبوك بحيث توصل جميع كتبي من اشعار و أغان.. الخ إلى كل العالم، وهذا الأمر مهم جدا. - ما هي مهمتك كشاعر وكعلي الشرقاوي؟ = مهمتي إنسانية وتتمثل في الدعوة إلى التسامح الكوني وأدعو إلى العلاقات الجيدة بين الديانات و العلاقات الرائعة بين الآيديولوجيات كما أدعو لأن يعيش الانسان حياة كريمة في أي زمان وأي مكان. هذه الأمور هي التي تهمني أكثر من الأشياء اليومية. - وهل الشعر يكفي؟ = انظر: يكفي. عندما تغير نظرتك إلى نفسك سيتغير كل ما حولك، في الفيسبوك إذا طرحت كلمة رائعة شجعت بها أحدا من الناس من الممكن أن هذا الشخص يشجع نفسه والآخرين. لذا عليك الاستفادة من كل ما هو متاح من أجل الأفضل، أنت لديك مهمة من الناحية الدينية و الروحية ورسالة وعليك انجازها منذ مرحلة الوعي حتى نهاية العالم ومهمة الانسان هنا اعمار الأرض و الإعمار كما أراه يكمن في عمل الشيء الرائع لأخيك الانسان. - ماهي مشاريعك الكتابية المقبلة؟ = أنا أكتب باستمرار في المسرح والشعر ولدي خمسون كتابا وهناك عشرون لم تنشر. ولو توقفت عن الكتابة لكان لدي مخزون لعشرين سنة قادمة.