يقدم هذا المقال سيرة مفصلة عن عالم الكومبيوتر الليبي أحمد المقرمِد، الذي هجر الولاياتالمتحدة أخيراً ليعمل مديراً في مشروع طموح للكومبيوتر وبحوثه في قطر. (مقال عن المعهد القطري في مكان آخر من هذه الصفحة). أعطى أكثر من عقدين من عمره العلمي في مراكز علمية متصلة بجامعة أنديانا، خصوصاً تلك التي تعنى بالفضاء الافتراضي للإنترنت والبنية التحيتة للمعلوماتية والأساسيات التي ترتكز إليها ثورة المعلوماتية المعاصرة. وتعطي سيرته نموذجاً عن تألق العقول العربية في العلوم المتطوّرة، عندما تكون في بيئة حاضنة للعلم والعلماء، كحال الدول الغربية المتقدمة. ليس غريباً أن ينشدّ المقرمِد الى محاولة استعادة العقول العربية من حاضناتها في الغرب، والسعي الى إعادة زرعها في التربة العربية، التي ربما نسيت كيف يحتضن العلِم وأهله وبحوثه وجهوده ومعطياته! قبل أيام، أطلقت قطر مشروعاً طموحاً في المعلوماتية، يتمثل في إنشائها معهداً متطوّراً لبحوث المعلوماتية. وأسندت إدارته الى عالِم عربي أمضى شطراً كبيراً من عمره في إدارة مشاريع مماثلة، وربما أكثر تطوراً، في المراكز العلمية البارزة في الغرب. وبناء على ميل قطر للاستفادة من العقول العربية في المهجر، أسندت إدارة ذلك المعهد الى البروفسور الليبي أحمد المقرمِد، الذي عمل في مراكز علمية أميركية لما يزيد على عقدين. وقدّم المقرمِد (مواليد طرابلس الغرب- 1954) إسهامات أساسية في المعلوماتية، ما أوصله الى مراتب متقدّمة أكاديمياً في الولاياتالمتحدة، التي وصل إليها في عام 1973. ونال درجة الدكتوراه في علوم الكومبيوتر وهندسته من جامعة أوهايو، في عام 1985. وقبل تسلمه منصبه الجديد في قطر، عمل المقرمِد أستاذاً في جامعة بيردي (أنديانا)، ومديراً ل «مركز ولاية انديانا لنظم قواعد البيانات» Indiana Center for database Systems، ومديراً ل «مركز البينة التحتية للمعلوماتية» في تلك الولاية عينها. وفي المركز الأخير، عمل المقرمِد على التقنيات الأكثر تقدّماً في علوم الكومبيوتر والانترنت، خصوصاً برمجة الحاسوب ولغاته وتطبيقاته. وفي عام 2001، تولى منصب كبير العلماء في شركة «هيوليت باكارد» الشهيرة، التي تعرف باسمها المختصر «أتش بي» HP. جمع المتنافر معلوماتياً في مقابلة مع «الحياة»، رسم المقرمِد صورة عامة عن إنجازاته علمياً. واستهلها بالحديث عن عمله في دمج نُظُم المعلومات وقواعد البيانات المتصلة بمؤسسات متباعدة جغرافياً كما تستخدم نظماً وتطبيقات وبرامج وقواعد بيانات متنافرة. وابتكر المقرمِد تقنية تمكّن من التنسيق بين تلك المُكوّنات جميعها. وطُبّق هذا الأسلوب في كثير من المستشفيات والشركات الكبرى والبنوك وغيرها. وسجّل المقرمِد، بحسب وثائق جامعة بيردي، ابتكاره في براءة اختراع، موثّقة في «المكتب الأميركي للاختراعات»، كما تستعمله شركة «أتش بي» على نطاق تجاري واسع. وكذلك صنع المقرمِد برنامجاً معلوماتياً للتدقيق في جودة المعلومات والبيانات الآتية من مصادر متنوّعة معلوماتياً، بعد جمعها في كومبيوتر مركزي. وضرب مثالاً على ذلك التدقيق في ملف المرضى، ومقارنة معلومات المستشفى مع تلك الآتية من مصادر أخرى. ويساهم هذا البرنامج في تخفيض نسبة الأخطاء طبياً. ودلّل على ذلك بالإشارة الى أن إحصاءات المستشفيات الأميركية تبيّن أن عدد ضحايا الأخطاء في قواعد بياناتها الخاصة يصل الى قرابة 165 ألف شخص سنوياً. وعمل المقرمِد في بحوث تناولت البنية الإلكترونية التحتية التي يفترض أن تتعامل مع بحوث علمية فائقة التنوّع، مثل الجينات والبروتينات والهندسة الوراثية والنانوتكنولوجيا وهندسة الزلازل وغيرها. وأشار إلى أن «الجمعية الوطنية العلمية لدراسة الزلازل» في أميركا، خصصت لمركزه في جامعة بيردي 105 ملايين دولار منحة لتطوير البنية التحية في بحوث الزلازل، وللربط بين 14 كومبيوتراً عملاقاً. ومن أواخر البحوث التي شارك فيها المقرمِد في الولاياتالمتحدة، مشروع لتطوير نُظُم معلوماتية حديثة عن نبات الرز. وأشار المقرمِد إلى أهمية هذه البحوث في الأمن الغذائي عالمياً، خصوصاً مع اعتماد مئات الملايين من البشر على الرز كمادة أساسية في غذائهم. حاز المقرمِد جائزة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان «أفضل جائزة رئاسية للباحثين النابغين»، و «جائزة التميّز علمياً» التي منحته إياها «الجمعية الأميركية لتصنيع الكومبيوتر»، وجائزة «الخريج الممتاز» من جامعتي أوهايو ودايتون، إضافة الى نيله لقب الزمالة في «المعهد الدولي للهندسة الكهربائية والإلكترونية» وغيرها. شبكة لعقول العرب في الغرب ألّف المقرمِد ستة كتب تمحورت حول الحكومة الإلكترونية التي تسمح للمواطن باستخدام الكومبيوتر والانترنت للوصول إلى قواعد بيانات رسمية تتيح له التعامل بسهولة مع الخدمات الطبية والتعليمية والإدارية والثقافية والتعليمة وغيرها. ووصفها بأنها «نموذج متقدم للديموقراطية الرقمية التي تطبق في كثير من الدول المتقدمة». وكذلك حرّر المقرمِد أكثر من 150 بحثاً تتمحوّر حول برمجة الكومبيوتر وقواعد البيانات. وترأّس مؤتمرات علمية عالمية، مثل «المؤتمر الدولي لهندسة المعلومات» (لوس أنجليس- 1992)، إضافة إلى إدارة وُرش عمل عن جودة المعلومات، استضافتها فرنسا وألمانيا خلال عام 2009. وسيترأّس أيضاً «المؤتمر الدولي لإدارة المعلومات» الذي سيعقد في مدينة انديانابولس في ولاية انديانا عام 2010. وكذلك شارك في «المنتدى العالمي للاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط» (البحر الميت، 2009). وفي المؤتمر الأخير، شارك المقرمِد في حلقة نقاش عن دور التكنولوجيا الرقمية في الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وقدّم مداخلة بارزة في مؤتمر «القمة العالمية للابتكار في التعليم». وذكر المقرمِد أيضاً أن مجلس اللوردات البريطاني دعاه الى حضور مناقشة عن مستقبل المعلومات ودورها في مكافحة الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي. حرص المقرمِد على بناء شبكة واسعة من العلاقات مع «مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع»، وضمنها مساهمته في بناء مستشفى بلغت كلفة إنشائه 8 بلايين دولار، احتوى أحدث التقنيات المتقدمة. وتولى المقرمِد الإشراف على تقنياته في المعلوماتية كافة. وساهم في تأسيس 3 معاهد متخصصة ببحوث الكومبيوتر. وشارك في لجنة قطرية -عربية لدراسة مستقبل بحوث العلوم والتكنولوجيا، خصوصاً في الكومبيوتر والانترنت، تشرف على أعمالها الشيخة موزة بنت ناصر المسند. وكشف المقرمِد أن «معهد بحوث الكومبيوتر» في قطر، انطلق من مبادرة جريئة للشيخة موزة في عام 2006، قضت بالعمل على استقطاب العلماء العرب المقيمين في الغرب، وتأسيس منتدى دائم لهم في الدوحة، وإنشاء قاعدة بيانات متكاملة عنهم، يتولى مسؤوليتها المقرمِد. وعقد لهذه الغاية مؤتمران في الدوحة في عامي 2006 و2007. وأدت هذه الجهود لإنشاء معهد علوم الكومبيوتر في قطر. في هذا السياق أشار المقرمِد الى أن أميركا تخصص للبحوث 2,8 في المئة من دخلها القومي، بينما لا يصل المعدل عينه عربياً إلى 1 في المئة. ولَفَتَ الى أن نسبة الخريجين العرب الجامعيين الذين هاجروا الى أوروبا وأميركا وكندا بلغت 25 في المئة عام 1995. ووصل عدد علماء العرب وأطبائهم المهاجرين الى 15 ألفاً بين عامي 1998 و2000.