الحج لقاء إيماني مليء بالقيم الإنسانية، يلبي الخلق نداءه، فيجتمعون فيه قاطبة من مشارق الأرض ومغاربها، مرددين في أنفسهم قول الشاعر: لبيك سعياً صادقاً في حجةٍ / لا سُمعة فيها ولا هيَ جاهُ وعلى رغم كون الحج أياماً معدودات إلا أنها تحمل بين ثناياها ثقافات وآداب خالدة، تتزامن معها فنون عدة ومتنوعة، إضافة إلى أهازيج شعبية تُحييها - كما رُوي - النساء أكثر من الرجال، شاملة الأمنيات بقبول الحج وبسلامة الوصول والعودة إلى الأهل والأحبة، وعُرف عنها في مجتمع الصعيد المصري باسم «حنون الحجاج». يذكر المؤرخون أن الموسيقى كانت من تقاليد الاحتفال بعيد الأضحى في المشاعر المقدسة، وأنه حدث عام 1938 استعراض عسكري احتفالاً بعيد الأضحى، صدحت به فرقة موسيقى الجيش في عهد الملك عبدالعزيز وبحضور الرئيس المصري محمد نجيب. في السياق نفسه، تناولت إصدارات موسم الحج تاريخياً وروائياً، منها - على سبيل المثال لا الحصر- رواية المفكر الجزائري مالك بن نبي «لبيك حج الفقراء» (دار الفكر)، والتي أثارت استغراب متابعيه، لا سيما وهو المعروف عنه بالكتب الفكرية، إلا أنه أراد بروايته الوصول إلى حل النزاع الذي لن يكون إلا من طريق التطهر النفسي والاتحاد مع الأمة، والذي وجده متجلياً في الحج، مشيراً من خلال الرواية إلى قيمته في نفوس المسلمين عامة، كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم والقادر منهم والضعيف، ورواية «مطوفون وحجاج» للأديب والمطوف أحمد السباعي، كذلك رواية «حج الفجار» عن (دار الآداب) للموريتاني موسى ولد أبنو، علاوة على إصدارات عدة غير عربية تطرقت للحج، عبادة وثقافة، والتي تفرد منها كتاب «ستة أشهر في مكة» (دار الرافدين للطباعة والنشر) والتي صدرت طبعته الأولى في لندن عام 1887 من تأليف جون فرير كين، الذي تناول فيه موضوع الحج بشكل سردي وسلس، واصفاً وبدقة تفاصيل رحلته وأدائه مناسك الحج متنكراً، مسجلاً لكل ما رآه وسمعه. وجاء كتاب «رحلتي إلى مكة» (مؤسسة التراث الخيرية) للمستشرق الفرنسي جيل - جرفيه كورتلمون - ترجمة الدكتور محمد الحناش - مصوراً وبوضوح لمشاهد الحج، وبتفاصيل دقيقة، تجعل القارئ مشدوداً إلى كل سطر فيه. يقول الناشر عن «رحلتي إلى مكة»: يُجري الكاتب سباقاً بين القلم والكاميرا، لنقل الحركات والسكنات...». إلى أن يقول: «إن الحج إلى مكة لا يعطي الحق في حمل أي علامة مميزة، أو صفة خاصة، أو شهادة». وحين ينتهي موسم الحج يحرص الحاج على توثيق حجته بالكتابة على صورة لمكةالمكرمة، لينال بها لقباً شريفاً، هو لقب الحاج، إضافة إلى أخذ العديد من الهدايا التي تكون بمثابة الذكرى السعيدة له. وعرف عن المصريين أن غالبية هداياهم كانت من البلح الحجازي الناشف، وكمية من ماء زمزم مُعبأة في أوانٍ من الصفيح، وعند وصولهم إلى بلادهم كانوا يضعون البلح في فتلة ويعلقونها على رقبة الطفل، طلباً للبركة. كان موسم الحج وبكل ما يتصل به محل إلهام للشعراء، ومرتعاً خصباً لخيالاتهم وتصوراتهم، فتنبثق قرائحهم بأحلى القصيد، فكم كان منظر الركب وهي تعبُر عباب الصحراء صفحة بيضاء يكتب من خلالها العاشق عما يكنه لمعشوقه من حب وهيام، وكم مرة سأل قيس بن الملوح قافلة الحج: أحجاج بيت الله في أي هودج / وفي أي خِدر من خدوركم قلبي؟