قال بطل العالم السابق في الشطرنج وأحد رموز المعارضة البارزين لسياسات الكرملين غاري كاسباروف ان «علاقة مريحة» نشأت بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك اوباما، قوامها ان «اوباما يقول ما يشاء وبوتين يفعل ما يشاء»، وإن هذه المعادلة «باتت تتحكم في العلاقات الدولية خلال السنوات الأخيرة». ويعتبر كاسباروف ان بوتين استخدم جيداً حال «الانكفاء» الأميركية للتقدم في عدد من الملفات المهمة وتحقيق «انتصارات» بينها ما حققه الرئيس الروسي في ملفي اوكرانيا وسورية. تزامن نشر هذه العبارات امس، مع تزايد التساؤلات عن «المستفيد» من الاتفاق الروسي - الأميركي الأخير في سورية، وتأكيد محللون روس ان بوتين نجح في «تكبيل» الإدارة الأميركية المقبلة باتفاق ميداني سيكون صعباً التملص منه لاحقاً. مع ان فريقاً من الخبراء الروس ابدى حذراً في اطلاق اوصاف مثل ان الاتفاق «انتصار» للديبلوماسية الروسية، خلافا لماً درجت عليه موسكو في مواقف سابقة، بينها مثلاً عندما وقع الاتفاق على تدمير الترسانة الكيماوية السورية. الحذر هذه المرة مرتبط بأن موسكو «ليست واثقة مئة في المئة من القدرة على ضمان التنفيذ»، كما قال الوزير سيرغي لافروف بعد اعلان الاتفاق مباشرة. وموسكو كما يشير اكثر من خبير لا ترغب في استخدام الاتفاق دعائياً، عبر التلويح بأن التحالف الذي تقوده في سورية حقق اختراقاً، والسبب ان روسيا قدمت جملة من التنازلات التي وإن كانت لا تقاس بحجم التنازلات الأميركية التي كشفها الجانب المعلن من الاتفاق لكنها توحي في كل الأحوال بأن موسكو كانت تحتاج بشدة للتوصل الى هذه الوثيقة، وبينها مثلاً الموافقة على اخلاء طريق الكاستيلو ورفع شرط التفتيش من جانب روسيا والنظام للقوافل الإنسانية قبل دخولها المناطق المحاصرة. لكن فوائد روسيا من الاتفاق تبدو اوسع بكثير من «التراجعات الجزئية» التي قدمتها، فهي نجحت كما يقول محللون روس في «تكبيل» الإدارة الأميركية المقبلة باتفاق ميداني سيكون صعباً التملص منه لاحقاً، وخصوصاً ما يتعلق بالبنود التي تحمّل واشنطن مسؤولية فك ارتباط الفصائل السورية «المعتدلة» مع «جبهة النصرة»، وهو امر شائك ومعقد لوجستياً، ومحاط بالأخطار لأنه يلقي مسؤولية الفشل على واشنطن وحلفائها على الأرض ويطلق ايدي موسكو والنظام. كما ان الاتفاق حصر العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده واشنطن في مناطق معينة، تتركز في شمال سورية، ولا يستبعد محللون عسكريون ان تكون البنود «السرية» من الاتفاق حملت تنازلات اوسع من ذلك. وسياسياً، لم يحمل الاتفاق جديداً، وبرز التناقض واضحاً بين تأكيدات واشنطن للمعارضة السورية بأن الهدف «الانتقال الى عملية سياسية تنهي حكم بشار الأسد» وبين الصيغة المعلنة للاتفاق التي غابت عنها هذه التأكيدات. ويرى خبراء روس ان الفارق الجوهري في مواقف الطرفين يكمن في ان ادارة الرئيس اوباما كانت ترغب في التوصل الى اتفاق لاستخدامه دعائياً في اطار حملتها الانتخابية، من خلال الإيحاء بأنها عملت على تحسين الطروف الإنسانية ووقف النار، بينما لا يشعر بوتين بأن الوقت يشكل عنصراً ضاغطاً عليه، وهو «يؤسس بهدوء لمرحلة ما بعد الإدارة الأميركية الحالية».