منذ خطبة حجة الوداع قبل نحو 14 قرناً، ظلت «خطبة عرفة» مجداً يتسابق إليه القادة والأمراء والعلماء، بوصفها أهم منبر لدى المسلمين، حتى قبل أن يزيده البث الفضائي إشعاعاً وانتشاراً. وفي عهد الدولة السعودية، ظل مفتي البلاد الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ خطيب عرفات لعقود، وارثاً بذلك عمه عبدالعزيز، الذي شغل المهمة الجليلة هو الآخر زمناً طويلاً بتكليف من القيادة السياسية. ويستعرض المفتي آل الشيخ في كتاب أصدره تجربته تلك، وقال فيه أنه «من منة الله علينا وتوفيقه لنا أن هيأ لنا إلقاء الخطبة في مسجد نمرة يوم عرفة منذ عام 1402ه (يوافق 1982)، فلقد تلقيت في خامس ذي القعدة من العام نفسه خطاباً موجهاً لي من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، تضمّن هذا الكتاب العهد إليّ بإلقاء خطبة يوم عرفة في نمرة، نيابة عن الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ - الذي طالما صعد هذا المنبر لعقود عديدة -، وباشرت الخطبة في ذلك العام، وفي العام التالي كذلك، ثم جاء التوجيه من خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - في عام 1404 بالخطابة في هذا المكان بصفة مستمرة». وحظي الشيخ صالح بن حميد، الذي لم يكن هو الآخر بعيداً عن حقل العائلات العلمية في السعودية، خصوصاً من منطقة نجد، على مجد مخاطبة الملايين من منبر المسجد الذي يتطلع له الأئمة كافة، وكان الشيخ صالح إماماً وخطيباً للمسجد الحرام عقوداً، وعضواً لهيئة كبار العلماء، كما أنه قضى سنوات عدة رئيساً لمجلس الشورى (البرلمان)، ورئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، مثل والده العلّامة عبدالله، وهو مؤشراً كافياً على تاريخه السياسي والديني، لكن لم يعرف بعد ما إذا كان التكليف بخطبة عرفات سيكون مستمراً أم لهذا العام فقط. وكان آل الشيخ قبل اعتذاره عن خطبة عرفات اعتبر أن ما يُشعره بالمسؤولية أكثر أنه يمضي على خطوات النبي صلى الله عليه وسلم، بوصفه «سيد خطباء يوم عرفة على الإطلاق، الذي خطب بالناس في ذلك المجمع الكريم خطبة كانت وجيزة في لفظها كثيرة في معانيها، ولا غرو، فهو سيد أهل البيان، وهو أفصح الخلق بياناً وأحسنهم أداء، وأقدرهم على جمع المعاني في الكلمة الواحدة، إذ أعطاه الله جوامع الكلم، واختصر له اختصاراً». ويروي المقربون من المفتي السعودي أن الخطبة التي تستغرق عادة ما بين 45 و60 دقيقة، تستغرق منه أكثر من 60 يوماً ليجمع أفكارها، ويبني القواعد التي يبنيها عليها، وهو الذي يحاول أن يتأسى بالنهج النبوي في جعل الخطبة جامعة لشؤون الداخل والخارج، وهموم الأمة العربية والإسلامية والكون، خصوصاً في أزمنة الظروف العربية العصية على الحل.