أعلنت الحكومة الأميركية ان عدداً من قواتها سيبقى في العراق لمدة عشر سنوات مقبلة. ونقلت مصادر اعلامية عن مسؤولين في الإدارة الأميركية انه كان من المقرر اجلاء القوات الأميركية كلها في 2011، ولكن شطراً من هذه القوات باقٍ في العراق. وعلى رغم تشكيك بعض المراقبين في صدق الإدارة الأميركية والتزامها عهودها ومواثيقها، فهذه الإدارة تثبت اليوم عدم التزامها المعاهدة الأمنية التي وقعتها مع الحكومة العراقية، نصت على انسحاب 50 ألف جندي من العراق، نهاية آب (أغسطس) الجاري، فيما يقتضي سحب كامل هذه القوات في نهاية حزيران (يونيو) من العام المقبل. والموقف الأميركي دليل على أن الولاياتالمتحدة لم تكن صادقة البتة عندما أطاحت نظام البعث الدكتاتوري، وزعمت ان اطاحة الديكتاتورية تساعد العراقيين على العمل بالديموقراطية في العراق. وانما كان ذلك تحقيقاً لأطماعها الاستعمارية ومصالحها غير المشروعة. وكان واضحاً، منذ البداية، ان الأميركيين لم يكونوا ليذرفوا الدموع شفقة على الشعب العراقي. فهم كانوا يفكرون في مصالحهم الإقليمية على الأمد البعيد. فانتهكوا المعاهدات والقوانين الدولية في حربهم على العراق، وتكبدوا آلاف القتلى والبلايين من الدولارات في سبيل هذه الأهداف والغايات. ويستوقف المراقب ان الحجج التي تتذرع بها الولاياتالمتحدة لإبقاء قواتها في العراق، وأولها ضعف جاهزية القوات الأمنية العراقية تدعو للسخرية. فالقوات الأميركية نفسها هي السبب في الانفلات الأمني واستمرار العنف في العراق. وفي مثل هذه الظروف لا يمكن الولاياتالمتحدة ان تكون شريكاً صادقاً للعراقيين. ولكن خلاف العراقيين على اخراج المحتل يدعو الى الأسف، وبعض العراقيين يساعد واشنطن على بلوغ أهدافها. وليس مستغرباً ان تلعب فلول حزب البعث، والجماعات السياسية الصغيرة، دور عميل قوات الاحتلال والمساعدة على تحقيق أهدافه طوال السنوات الثماني الماضية، في سبيل بعث الديكتاتورية التي رعتهم في أحضانها سنوات طويلة. ولكن المستغرب هو مواقف بعض القادة العراقيين، ومنهم رئيس هيئة الأركان المشتركة، بابكر زيباري. فهو رأى ان الجيش العراقي لن يكون جاهزاً قبل عشرين عاماً. وإذا لم تعتبر هذه التصريحات خيانة في حق العراق، فهي حتماً غير مسؤولة وغير مدروسة. والترحيب بالاحتلال غير مألوف في دول العالم، ولا يجوز قبوله في أي حال من الأحوال. والى هذا، فهو عامل تهديد لأمن المنطقة واستقرارها. والولاياتالمتحدة كانت تخطط لاسقاط نظام صدام بأقل التكاليف، وتنصيب نظام سياسي موال لها. ولكن تطورات العراق، وفوز الأحزاب الشيعية التي تتطلع الى الاستقلال، خلطت الأوراق الأميركية، ودعت الأميركيين الى التفكير في إبعاد الشيعة، وازاحتهم عن مراكز القرار من طريق زج البعثيين وادخالهم البرلمان العراقي. وأفشلت هذه المحاولات جهود الشيعة. وتحاول الولاياتالمتحدة التستر على هزائمها، وتطرح ابقاء قواتها في العراق. وهذا يستدعي حذر الشخصيات والجماعات المستقلة التي عليها اتخاذ مواقف جادة وقاطعة في هذا الشأن. وعلى رغم ان الرئيس نوري المالكي، والمتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، أكدا الانسحاب الكامل للقوات الأميركية العام المقبل، فهذه المواقف غير كافية في ميزان الضغط على الولاياتالمتحدة لتنفيذ الاتفاق الأمني مع الحكومة العراقية. والإدارة الأميركية ستمارس مختلف الضغوط لتحقيق أهدافها، وهذا يستدعي وعي الشخصيات العراقية، وتفعيل دور المرجعية الشيعية من أجل احباط المؤامرة الأميركية الجديدة. * عن افتتاحية «صحيفة جمهوري اسلامي» الإيرانية، 15/8/2010، اعداد محمد صالح صدقيان