كان المشهد لافتاً قرب مجمع الديوان الرئاسي الروسي صباح الأول من أيلول (سبتمبر). شبّان يضعون إكليلاً من الزهور عند المدخل، كُتبت عليه عبارة تتّهم الكرملين بأنه مسؤول عن مقتل أطفال بيسلان. أسلوب غريب لإحياء ذكرى المجزرة التي أسفرت، قبل 12 سنة، عن مقتل 337 شخصاً، بينهم 186 طفلاً في المدرسة التي احتجز فيها عشرات المسلحين حوالى 1200 شخص غالبيتهم أطفال. في الوقت ذاته، كانت مجموعة من السيدات اللواتي ينتمين إلى منظمة «أمهات بيسلان» تنظّم احتجاجاً أمام المدرسة التي شهدت المأساة في أوسيتيا الشمالية (جنوبروسيا)، وقد ارتدين قمصاناً عليها عبارة «بوتين جلّاد بيسلان». في الحادثتين احتُجِز المحتجّون. لكن اللافت أنهما عكستا مستوى من الجرأة يعتبر سابقة في إعلان موقف احتجاجي. وعلى رغم أن انتقادات كثيرة وُجِّهت على مدى السنوات الماضية إلى الطريقة التي تعامَلَ بها الكرملين مع مأساة احتجاز الرهائن في المدرسة، لم تصل الأمور يوماً إلى استهداف الديوان الرئاسي، أو إطلاق كلمة قاسية مثل «جلّاد» على الرئيس فلاديمير بوتين، علناً على الأقل. قبل الحادثتين، احتجزت الأجهزة الأمنية شباناً اعتصموا أمام مدخل مجلس الدوما رافعين لافتات تطالب ب «عزل بوتين». ويبدو أن حال التذمُّر المتزايد في روسيا، وصلت إلى مستويات تُنذر بالأسوأ كما يقول خبراء. وهذا يفسّر قلق السلطات على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة، والتدابير الأمنية الاستثنائية التي فُرِضت تحضيراً للاقتراع مع إطلاق تحذيرات على أعلى المستويات من «محاولات غربية لزعزعة الأوضاع في روسيا خلال الاستحقاق الانتخابي وبعده»، وهو أمر تعهّدت الأجهزة الأمنية التعامل معه بجدية مطلقة. وعلى رغم أن استطلاعات الرأي ما زالت تُظهر أن بوتين يتمتع بشعبية واسعة، يرى خبراء في ازدياد النشاطات الاحتجاجية التي ينظّمها في الغالب أفراد أو مجموعات تنتمي إلى أحزاب صغيرة، انعكاساً لتدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية في البلاد، خصوصاً أن الغالبية الكبرى من النشاطات الاحتجاجية ترفع شعارات مرتبطة بالأحوال المعيشية وليس بالسياسة. لكن بعضاً منها طاول الحملات الانتخابية الجارية الآن، فكتب شبان عبارات على اللافتات الانتخابية لحزب السلطة «روسيا الموحدة» مثل «يكذبون مجدداً»، وأجبرت احتجاجات سلطات سان بطرسبورغ على إزالة لافتة انتخابية كُتبت عليها عبارة قالها يوماً بوتين مفادها أن «سياسة روسيا الموحدة تقوم على فهم عميق لمصالح الدولة». أما الاحتجاجات الأوسع التي تتناول هموماً معيشية، فتبرز من خلال اعتصامات تنظّم يومياً تقريباً في الأقاليم، للمطالبة برفع الأجور هنا، أو إعادة امتيازات اجتماعية أو طبية جُمِّدت بسبب التقشُّف هناك. وبعض الاحتجاجات يحمل طابعاً لافتاً، كما حدث خلال «تظاهرات الجرارات» الزراعية، عندما تجمّع مئات من الفلاحين وأعلنوا رحلةً بالجرارات من كراسنودار إلى موسكو لمطالبة بوتين بمراجعة قرارات اقتصادية. وقُطِع الطريق الدائري المحيط بالعاصمة لمنع دخول الجرارات إلى المدينة. رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف المسؤول المباشر عن السياسات الاقتصادية، بات هدفاً بارزاً للاحتجاجات، خصوصاً بعد «زلّات لسان» جعلته محوراً للانتقادات الشديدة. فهو مثلاً خاطب أساتذة جامعات احتجّوا على ضعف رواتبهم بعبارة: «إذا كان بمقدوركم إيجاد عمل آخر، اعملوا، ادخلوا عالم البزنس»! وقال لمتقاعدين في القرم: «لا نقود لديكم لكنكم صامدون... أرجو لكم الصحة والمزاج الرائق»! تلك العبارات تحولت مادة دسمة للاحتجاجات، كما حدث عندما قابل طلاب في بورياتي (سيبيريا) رئيس الوزراء الزائر جامعتَهم، بلافتات كُتِب عليها: «مفلسون... لكن مزاجنا رائق» و «تركنا الدراسة وذهبنا إلى البزنس وأفلسنا... شكراً لكم».