يعيشون حياة بسيطة عنوانها العوز، أجبرتهم ظروف الحياة على التقشّف والعيش في منزل شعبي يحتوي أثاثاً بالياً تخلو معظم غرفه من الفرش. المنزل يضم بين أركانه ثلاث أسر خارت قواها أمام الأمراض، فلا يرى الزائر سوى العكازات وسماعات الأذن والأدوية والتقارير الطبية.كل مرض في ذلك المنزل يؤلم «أم مشعل» الكفيفة، وكل حزن يسيل دموعها، وكل هم تكتوي بناره، لم تعد تأبه لأمراضها وحلم عودة نعمة البصر توقف منذ زمن بعيد، فهناك آلام تتوالى ضحيتها فلذات كبدها وأبناؤهم. أبناء أم مشعل يعانون من إعاقات مختلفة، فأحدهم مشلول لا يستطيع المشي إلا بعكازين، ولديه زوجة وثلاثة أبناء يشبع بطونهم الجائعة من مساعدة الضمان الاجتماعي، والآخر أصم أبكم ومتزوج ولا يختلف وضعه عن شقيقه الأول. أما الثالث الذي يشاطر والدته (أم مشعل) الغرفة نفسها، فهو أصم ويقاسي نوبات من الصرع بفعل الأمراض النفسية التي يرزح تحت وطأتها. وتقول السبعينية أم مشعل: «أعيش مع أبنائي المعوقين وأسرهم في منزل صغير»، موضحة أن الحياء منعهم من سؤال الآخرين، على رغم الظروف المالية السيئة وقلة ذات اليد التي يقاسونها. وتضيف: «نحن ثلاث أسر في البيت، بعد أن غادرت الأسرة الرابعة لعدم وجود خصوصية بسبب قلة الغرف وضيق المنزل»، مشيرة إلى أن الإعاقات التي يعاني منها أبناؤها زادت من آلامهم وأوجاعهم وانعكست سلباً على مستوى معيشتهم. اضطرت أم مشعل إلى استغلال المجلس وتحويله إلى غرفة نوم لها ولابنها المصاب بمرض نفسي، إلا أنها كثيراً ما تستيقظ من نومها على بكاء أحد الصغار. وعلى رغم أنها مكفوفة، إلا أن شعورها بالمسؤولية وحبها للصغار يجبراها على الاهتمام بهم. لم تستطع العجوز المحبطة كبت عواطفها ففضحتها الدموع التي انسكبت أثناء حديثها ل «الحياة»: «منذ سنوات لم أذق لذة للنوم، أنا لا أفكر في نفسي، ولكن من سيهتم بأبنائي المعوقين وأطفالهم وكيف سيعيشون بقية حياتهم»، لافتة إلى أنهم لم يعودوا يستقبلون الضيوف لعدم وجود مكان لهم. وفضل الابن الرابع لأم مشعل إخلاء المنزل لأشقائه، واضطر إلى السكن وأسرته في شقة بالإيجار، مع أن راتبه الشهري لا يكاد يفي بالتزامات أسرته وأبنائه. المتنفس الوحيد لأفراد أسرة «أم مشعل» هو الفناء الخارجي للمنزل، حيث يقضون جل يومهم، خصوصاً أنهم لا يستطيعون غالباً مغادرة المنزل لإعاقات أبنائها وللعوز الذي يعيشونه منذ سنوات.