لم تعد تتلقى هواتفنا الجوالة اتصالات في زحمة «الرسائل الواردة» المهنئة بالشهر الكريم، وانحصر الفارق في الزحمة السابقة حول اسم المرسل ورقمه وما عدا ذلك فالمضمون متكرر، فإن لم يتكرر في المعنى، تكرر نصاً حرفياً، سيل من الدعوات والأماني والتهاني والتبريكات، وفرحة مغايرة بالضيف المقبل مع أننا نمتلئ متناقضات، واختلافات، وغرائب، يستحق لها أن تسجل وتقرأ، ومن ثم نعيد معاينة الرسائل الواردة مجدداً، نحن أول من يقرأ - ويرسل الرسالة ذاتها لآخرين - فما يهم ليس التهنئة بقدر ما يهم أن نختار الرسالة الأجمل ونرسلها «للكل» كتواصل الالكتروني منحنا السرعة وأخذ منا الحب والتواصل وأنتج علاقات الكترونية فقط. نحن أول من يستعد بأولمبياد من الأطعمة والمأكولات والمشروبات، ويكتفي بمشاهدتها على الطاولة، لأننا لا نريد أن نكون أقل من الآخرين في التبذير والإسراف. نحن أول من يتسمر أمام شاشات التلفاز والقنوات ويتابع التنافس المثير على استقطاب أكبر عدد من الأعين للمشاهدة والابتسام، ونلغي أي ارتباطات متعارضة. نحن أول من يبحث عن الإجازة في رمضان، لأن هناك قناعات تؤمن بأنها تمنحنا قدرة أكبر على المتابعة والنوم والأكل والشرب. نحن أول من يُعد أغذية متنوعة لا يستطيع الضيف مشاهدتها في شهر آخر، وننتقد بعضنا بعضاً في حال غيابها. نحن أول من يملك الجرأة والقدرة على قطع أي إشارة، وتجاوز أي سيارة، إذا كان المتبقي على آذان المغرب عشر دقائق أو أقل. نحن أول من نشاهد بعضنا «كجيران» ونتأكد من أننا لا نزال أحياءً بعد الإفطار وقت صلاة المغرب. نحن أول من يرتب لدورات الحواري الرمضانية ويعد العدة لها باكراً، ونستعد بملعب للكرة الطائرة، إذ إنها اللعبة الأكثر اتساعاً وانتشاراً، ولعل المبرر أنها تتطلب حركة أقل للجهود المبذولة غذائياً وبصرياً. نحن أول من تكون نفسياتهم مغلقة، وأمزجتهم معكرة، خصوصاً في الصباح، أو قبل الإفطار بدقائق، مع أن التهاني تقول «مبارك عليك شهر الرحمة والمغفرة». نحن أول من يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية في كوننا الأكثر غياباً عن مشاهدة الشمس، والأطول استمتاعاً بمسامرة الليل. نحن أول من يبحث عن الإجازات الاعتيادية والاضطرارية والمرضية، ويسجل الحضور المتأخر في دفاتر الحضور والانصراف، ولنلقِ نظرة على مؤسساتنا وقطاعاتنا الحكومية للتأكد! نحن أول من يناقش، ويتمعن، ويشاهد، ويعرف، ويحفظ في «رمضان» معني كلمتي «كوميديا ودراما». نحن أول من يردد اللهم «إني صائم» في اليوم مرات عدة لأخطاء نعيد ارتكابها في المساء، لأن جرح الصوم مرتبط لدينا بالنهار فقط. نحن أول من يتزعم أسئلة الفتوى نهار كل يوم رمضاني، ومن ثم ننسى أو نتناسى الأحكام الشرعية في المساء. نحن أول من يرى في رمضان الكسل، والنوم، وقلة العطاء، والبحث عن الغذاء، وممارسة الأنشطة المختلفة. اتفق مع الكل أن رمضان يحمل نكهة نفسية مختلفة وباعثاً حقيقياً على الانشراح والسعادة لكن عدد أيامه «30»، وساعات كل يوم «24»، وصلواته «خمس»، وله نهار وليل، ولكن أين الفارق الذي جعلنا الأوائل في النقاط السابقة؟ هل هي الثقافة، أم الوعي؟ وإلا حصلنا من الدين على ما يعجبنا والاستغناء عما لا يتوافق مع رغباتنا، أقرؤوا كم «نحن أول» في النص أعلاه، ومع كل ذلك كل عام وأنتم طيبون، وشهركم مبارك! [email protected]