الأحد 8/8/2010: أشجان سميتها أشجان. الليلة التي احتفظت بأنسال الضوء حيث الأفق وجوه وطرق ضيقة وقمم ووديان. ليلة نور وخبز وجبن وصوت صديق من بوسطن. كلما أوغلنا في أعمارنا تتساقط الأحمال، نصير أكثر خفة وأقل عدداً، ونقول الموعد هناك ولا نلتقي، نحن القلة في عالم يغص بسكانه. الحشود في المدن الضيقة وفي الأرياف حيث يتنافس الناس والشجر. لكل شجرة زوجان أو أكثر من البشر، ولكل زوج من الحيوانات ألف رجل وامرأة. كيف لنوح الجديد أن ينقذ الأنواع كلها في سفينته؟ لا بد من شر كثير لتتسع السفينة وتغرق الحشود في البحر. سميتها أشجان. النبتة البرية وأخواتها هناك في جلّ نوى. زرعناها في قلوبنا أيضاً ونحملها الى أمكنة لم نتوقع أنها أوطاننا الجديدة. يحتاج المهاجر الى بيت، بل الى جدار في بيت يعلق عليه صوراً بالاسود والأبيض. ذلك الجدار سميته أشجان. الاثنين 9/8/2010: الجنرال حرّ الجنرال الروسي ثلج هزم نابليون وأفشل غزوه. كانت روسيا مقرونة دائماً بالثلج وبالبرد الشديد. في هذه الأيام يتسلم القيادة الجنرال حرّ، إذ أعلن رئيس هيئة الأرصاد الجوية الروسية الكسندر فرولوف أن البلاد تشهد أسوأ موجة حرّ منذ ألف سنة على الأقل. يضع أهل موسكو الكمامات ليتقوا الدخان الكثيف، المطبق على المدينة. يحاولون اكتساب عادات أهل البلاد الحارة ولا تساعدهم في ذلك بيوت وشوارع ومرافق صممت لمدينة باردة. وماذا عن الفنون؟ كيف يسمع الموسكوفي وعاشق موسكو أغنيات تشكل مظاهر البرد جزءاً من كلماتها وموسيقاها؟ كيف يقرأ روايات بطلها المشترك قطار يعبر البلاد الواسعة وقد تعمم بالثلج؟ كيف يشاهد أفلاماً روائية أو وثائقية ولا يقول: تلك كانت بلادنا. هذه ليست بلادنا؟ يغمض الموسكوفي أو عاشق موسكو عينيه على مشاهد قديمة لن تعود، وإذا عادت فإنما ليتسلمها الجنرال مطر بعد الجنرال حر. الثلثاء 10/8/2010: قلق العرب لم يدرك اللبنانيون أنهم أنشأوا وطناً، أو ارتضوه، على مقياس القلق العربي. لبنان هذا القلق. يعيش العربي في وطنه وعينه على لبنان، على الحرب والمغامرة، والهزيمة والنصر، وحفظ التراث والانقلاب عليه، والتعامل مع الأجانب واستيعابهم والتنافس مع أوروبا عبر الانضمام إليها ومعارضتها من داخل. هذا وطن دخلته الحداثة من ريفه قبل المدينة. تصل الى آخر طريق العربات فتقابل من يتقن الفرنسية والإنكليزية والقليل من الروسية والألمانية، وإذا أكملت الرحلة على ظهر حصان أو بغل تصل الى من يتقن اللاتينية واليونانية القديمة. وعبر طرقات العربات والبغال هناك من يتقنون لغة المتنبي وقد تخففت من الجمل الطويلة فصارت حيوية مثل طائر على ورق. وطن يعلمنا أن القلق وحده مصدر الثقافة لأنه يبعث بالسؤال حياً، سؤال من يقف على الحافة فلا وقت كافياً للاسترجاع والثرثرة. لبنان اليوم أيضاً حامل النقائض. الوطن الذي يبدو هشاً يضم أكثر تنظيمات المقاومة صلابة في التاريخ العربي الحديث. كيف تجتمع الهشاشة والصلابة؟ الجميع يترقب الانهيار. ولكن، هل يعدنا وطن القلق بمعجزة المواءمة بين التراخي والتصلب، الانفتاح على الآخر والحذر منه، الحرية بلا حدود وحالة الطوارئ المفتوحة؟ ولماذا نستغرب اهتمام العرب حكومات وشعوباً بلبنان؟ انه مرآة قلقهم. الأربعاء 11/8/2010: أحمد الشهاوي ديوان «أسوق الغمام» لأحمد الشهاوي (سلسلة «كتاب اليوم» - القاهرة - كانون الثاني/ يناير 2010) يستحق تركيز النقد، فهذا الشاعر المصري كتب قصيدة حديثة من النص التراثي الصوفي، فعلق بها الكثير من هذا النص. الشاعر تقصّد فلم يحدث الأمر عرضاً، وهو يملك دفاعات نقدية عن توليفة الحداثة/ التراث في شعره. هل الحداثة تبدأ من صفر الماضي؟ هل هي قطع مع الماضي كله أم معيار لتخير ما هو مضيء وباق فيه، والأبرز هو النص الصوفي؟ يقترب «أسوق الغمام» أكثر فأكثر من قصيدة حديثة يوقعها أحمد الشهاوي طالعة من فرادة تجربته. هنا كثير الوهج الحاضر وسند قليل الى وهج الماضي الباقي. يكتب الشهاوي: «معك عدت الى زمن المراكب الورقية طفلاً يبحثُ عن نهره. الأصابع تُبصر مثلما تكتبُ اليمينُ. لم يعد للشمس منطقٌ معكِ. أتيتُ في نوفمبر وربما أموتُ فالشتاءُ أبِي. رغم أن شمسي عطوفٌ أكرهُ أحرفَ العطفِ لأنَّ دماءَها تلتبسُ على أعينِ المجاهرِ. لا أحتاجُ جبلَ النارَ لأتأكدَ أنني حامِلٌ مطرَكِ. تلِدُ سمائي نجُماً باسمكِ يحلُّ كوكبُ الزهرةِ فيَّ ويصلُ عقربي إلهةً من وردٍ. بينَ صمتين أصمتُ لأسألَ من أيِّ نُورٍ خُلِقت شفتاكِ (...) لا يَسألُ الظِلُ عن صاحبهِ فالتعبُ أنهكَ خُطاهُ. في سريركِ الوسيعِ النيلُ شاهدٌ فبدّلي الفجرَ بي». الخميس 12/8/2010: أرضنا يا حاصد الأعشاب البرية تقشر جلد الأرض وتلبسها ثوباً ليس لها. أترك لنا هذه الشجرة. قلتَ ستقطعُها لأنك لا تعرف لها اسماً فالوجود عندك مشروط بالاسم. يا حاصد الأعشاب البرية اترك لنا أرضاً نحسّها، لا نعرفها جيداً (مشكلة ذاكرة)، لكنها تدل علينا وندل عليها. أرضنا منذ القدم. الجمعة 13/8/2010: الطاهر وطار الروائي الطاهر وطار توفي أمس عن 74 عاماً. جزائري من منطقة القبائل، حصّل ثقافة تقليدية إذ تعلم القرآن والتحق بمدرسة جمعية العلماء ثم بمعهد عبدالحميد بن باديس. مناضل في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ارتضى العربية جزءاً من الشخصية الوطنية فكتب بها أعماله في القصة القصيرة والمسرح والرواية، وكان بذلك رائداً يتعايش مع مجايليه الكتاب الجزائريين بالفرنسية. ومثل كثيرين من أبناء جيله العرب مزج الثقافة التقليدية بالمنهج الماركسي، لكن حداثته أتت من قراءته أدب المصريين واللبنانيين المهجريين. قال إن الحداثة قدره، وسار فيها لتتأثر به أجيال من كاتبي السرد العربي في الجزائر، تأثراً للتجاوز لا للتقليد، وهو أراد ذلك وفرح به. أبرز رواياته «اللاز» و «عرس بغل» و «الزلزال»، وأحدثها «الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي» و «الولي الطاهر يرفع يده بالدعاء». كان يكتب للحرية والتسامح ول «تحرير المثقف الجزائري من التعصب». من روايته «اللاز»، هذا المطلع: «إنهم كعادتهم، كلما تجمعوا في الصف الطويل، أمام مكتب المنح، لا يتحدثون إلا عن شهدائهم. والحق إنه ليست هناك، غير هذه الفرصة لتذكرهم والترحم على أرواحهم، والتغني بمفاخرهم... فهم ككل ماض يسيرون الى الخلف، ونحن ككل حاضر نسير الى الأمام... لعل هذا اليأس المطبق من التقاء الزمانين، ما يجعلنا لا نهتم إلا بأنفسنا، أنانيين نرضى أن يتحول شهداؤنا الأعزاء إلى مجرد بطاقات في جيوبنا، نستظهرها أمام مكتب المنح، مرة كل ثلاثة أشهر... ثم نطويها مع دريهمات في انتظار المنحة القادمة...».