شرعت إسرائيل في تنفيذ تهديداتها بمعاقبة السلطة الفلسطينية على اتخاذها خطوات أحادية الجانب وطلبها الالتحاق ب14 معاهدة وهيئة أممية، إذ أعطى رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو تعليماته إلى الوزارات المختلفة التي تتعاطى مع السلطة الوطنية الفلسطينية بالحد من اتصالات الوزراء والمديرين العامين مع نظرائهم الفلسطينيين، مستثنياً منها التنسيق الأمني ومفاوضات السلام، على أن يتم حصر اللقاءات بين الجانبين في المسائل الأخرى في الموظفين الميدانيين الصغار. إلا أن السلطة الفلسطينية قللت من أهمية قرار نتانياهو مقاطعة المسؤولين الإسرائيليين نظرائهم الفلسطينيين، لكنها أعربت عن خشيتها من أن يكون ذلك مقدمة لحملة أوسع ضد السلطة تشمل عقوبات مالية. وأشار الأمين العام للحكومة الإسرائيلية أن نتانياهو استثنى من تعليمات المقاطعة وزيرة القضاء رئيسة الطاقم الإسرائيلي المفاوض تسيبي ليفني وجميع المسؤولين العسكريين في وزارة الدفاع والجيش و «منسق شؤون المناطق (المحتلة)». وتأتي تعليمات نتانياهو بعد أيام من التهديدات التي أطلقها عدد من وزرائه بالاقتصاص من الفلسطينيين على توجههم للمؤسسات الأممية، ملوّحين أساساً بحجب العائدات الضريبية الشهرية التي تجبيها إسرائيل لحساب السلطة الفلسطينية وتستخدمها الأخيرة لدفع رواتب موظفيها. كما تأتي غداة تصريحات لوزير الخارجية الأميركي جون كيري أغاظت إسرائيل وقوّضت ادعاءاتها بأن الفلسطينيين يتحملون وحدهم مسؤولية إفشال الصفقة التي سعى كيري لإبرامها الأسبوع الماضي لتمديد فترة المفاوضات، إذ قال الأخير أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي أن إعلان وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية بناء أكثر من 700 وحدة استيطانية في مستوطنة «غيلو» جنوبالقدسالشرقيةالمحتلة ورفضها الإفراج عن السجناء الفلسطينيين ضمن الدفعة الرابعة «أوقعا عملية السلام في مأزق». وانتقد وزير البيئة عمير بيرتس قرار رئيس حكومته وقال إنه سيتوجه إليه بطلب إجراء بحث معمق في الحكومة حول «مغزى القرار وأبعاده». واعتبر زعيم المعارضة اسحاق هرتسوغ تعليمات نتانياهو «وقوداً ومواد اشتعال سيستخدمها أشد كارهي إسرائيل ضدها»، معتبراً أن هذه الخطوة «لا لزوم لها ولن تأتي بأية فائدة لإسرائيل». وأضاف إن نتانياهو «بدأ بقراره هذا عملية انفصال إسرائيل عن العالم، وهذا ناتج من إحباط وعجز، لكن الإحباط والعجز ليسا سياسة». وقال النائب من حزب ميرتس «اليساري» نيتسان هوروفتس إن نتانياهو «قام بالتأكّد من قتل العملية السياسية»، محذراً من أن إسرائيل بمصالحها واقتصادها هي التي ستتضرر في الأساس من قرارها. ورد زعيم «البيت اليهودي» المتطرف وزير الاقتصاد على تصريحات كيري باستخفاف إذ قال: «سمعت أن إسرائيل أفشلت عملية السلام بإعلانها البناء في القدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودي التي حاول الفلسطينيون ولسنوات طويلة بعملياتهم التفجيرية منعنا من العيش فيها». وأضاف متحدياً: «لن تعتذر إسرائيل أبداً لبنائها في القدس. والبناء في القدس يقف في صلب الممارسة الصهيونية ولا ينطوي على أي ضرر». لكن معلقين بارزين أشاروا إلى أن تصريحات كيري، على رغم أن المتحدث باسمه حاول لاحقاً تعديلها، أحدثت صدمة في أوساط رئيس الحكومة إذ نسفت الحملة الإعلامية التي كررها وزراء صباح مساء بأن الفلسطينيين هم الذين عرقلوا «صفقة كيري» وأن الولاياتالمتحدة ومعظم دول أوروبا تتفق مع إسرائيل في ذلك. واعتبر موقع «ولاّ» الإخباري تصريح كيري «سكيناً في بالون تبريرات نتانياهو». وأضاف أن أوساط نتانياهو تشعر أن «جملة واحدة لكيري قوضت حملة دعائية استنزفت جهوداً كبيرة من أجل تحميل عباس مسؤولية تفجر المحادثات». ورأى المعلق السياسي في «يديعوت أحرونوت» شمعون شيفر أن أبرز ما جاء في تصريحات كيري قوله إن جولة المفاوضات التي تجرى بين إسرائيل والفلسطينيين في الوقت الراهن تدور حول مسائل فنية لا حول المسائل الجوهرية للنزاع مثل الحدود واللاجئين والقدس، «وعليه فإنها تبقى مفاوضات فارغة من أي مضمون». وأضاف إن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يدركان هذه الحقيقة لكن لكل منهما مصلحة في استمرار المفاوضات. وتابع متسائلاً: «حتى متى سيقود نتانياهو إسرائيل في مفاوضات فارغة المضمون». وقلل وزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني من أهمية القرار الإسرائيلي، وقال ل «الحياة» إن وزراء وكبار الموظفين في الحكومة الفلسطينية لا يلتقون مع نظرائهم الإسرائيليين، موضحاً أن وزيرين فقط هما وزيرا المال والاقتصاد التقيا مع نظيريهما الإسرائيليين لمرات معدودة في السنوات الماضية، وأنه لم يكن لدى أي من أعضاء الحكومة أي خطط لأي لقاء من أي نوع مع أي مسؤول إسرائيلي. لكن مجدلاني عبر عن خشيته من أن يكون القرار الإسرائيلي بداية لحملة واسعة ضد السلطة تشمل عقوبات مالية من نوع وقف تحويل أموال الجمارك الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل والتي تشكل أكثر من نصف موازنة الرواتب الشهرية للسلطة. وفي خطوة هدفت إلى طمأنة الشارع الفلسطيني، أعلن رئيس الحكومة رامي الحمد الله أن حكومته بدأت في عقد سلسلة اجتماعات طارئة لبحث تداعيات قرار الحكومة الإسرائيلية. وقال الحمد الله في بيان: «إن الحكومة ستعمل جاهدة على مواجهة هذه التحديات، والاستمرار في تقديم خدماتها لشعبنا». وأضاف: «إن أي عقوبات إسرائيلية لن تنال من إرادة شعبنا من أجل نيل حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولتنا الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس». ولفت الحمد الله إلى أن الإجراءات العقابية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لم تتوقف، وأنها تتواصل بأشكال مختلفة من الاستيطان إلى تهويد القدس، وهدم المنازل وغيرها من العقوبات. وقال إن هذه القرارات التي تأتي رداً على تقديم القيادة الفلسطينية طلبات انضمام إلى مؤسسات الأممالمتحدة لن تثنيها عن مواصلة تقديم هذه الطلبات. وقال مسؤولون في الحكومة الفلسطينية إن القرار لن يوثر عملياً على سير عمل أي مؤسسة، معتبرين القرار سياسياً رمى إلى إيصال رسائل إلى السلطة الفلسطينية والرأي العام الإسرائيلي. وقال الناطق باسم الحكومة الدكتور ايهاب بسيسو ل «الحياة» إن «القرار الإسرائيلي ينص على وقف اللقاءات بين الوزراء وكبار المسؤولين، وعملياً لا يوجد هناك أية لقاءات بين الجانبين». وذكر مسؤولون فلسطينيون أن الجانب الإسرائيلي هو المستفيد من اللقاءات وليس الجانب الفلسطيني، إذ إن إسرائيل تبدي اهتماماً كبيراً بالتنسيق الأمني بين الجانبين. وتحرص إسرائيل على إبقاء التعاون الأمني والاقتصادي مع السلطة الفلسطينية لأنها المستفيد الأول من هذا التعاون ذلك أن التعاون الأمني يحول دون تعرض أهداف إسرائيلية إلى هجمات من المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة، كما يحافظ التعاون الاقتصادي على تدفق كميات كبيرة من السلع الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية، إذ يبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية أكثر من أربعة بلايين دولار سنوياً. وتعمل إسرائيل على جباية الجمارك على البضائع القادمة إلى الأراضي الفلسطينية وتحويلها نهاية كل شهر إلى السلطة الفلسطينية بعد الحصول على خصم قدره 3 في المئة مقابل ذلك. وتبين موازنة السلطة أن قيمة التحويلات الجمركية القادمة من إسرائيل تبلغ أكثر من نصف فاتورة الرواتب الشهرية (110 ملايين دولار من 200 مليون دولار). وتحصل السلطة على المبلغ المتبقي من الإيرادات المحلية والمساعدات الخارجية. واستخدمت إسرائيل هذه التحويلات للضغط على السلطة الفلسطينية عدة مرات، لكنها عادت واستأنفت التحويلات خشية انهيار السلطة وبعد تدخل أطراف خارجية خصوصاً الولاياتالمتحدة الأميركية.