بمجرد التفكير أنني غير قادرة على التفوه بكلمة «لا»، أحزن على نفسي كثيراً. كم من الأشياء كان عليّ أن أقف بكل حزم وحسم وصرامة لأقول لها «لا». من لا للتدخين إلى لا لظلم الرجل وجبروته عليّ، لكنني لم أفعل. تربيت على أن كلمة لا وقحة وقليلة أدب، مثلها مثل عبارات «اتركني وشأني»، و«حل عني» و«دعني» و«لحد هنا وبس». وكم من البشر جروني جراً كي أنطقها لكني أبداً ما قلت لا، لن أقولها. امرأة شرقية أنا بكل ما للكلمة من معانٍ، إنسانة واقفة على حافتي ال«لا» وال«نعم». تستطيع أن تقول عني سلبية، ودعني أقص عليك وأستعيد وأذكر واستذكر كم من ال«لا والنعم». أنا لا مشاغل عندي ولكنني لست فاضية. لا سفرات عندي مثل هؤلاء الرجال الذين كلما دق «الكوز بالجرّة» سافروا بحجة العلم وبحجة العمل أو ببجاحة من أجل شم الهواء فقط وتغيير الأجواء والروائح والنكهات، وأنا ما عرفت كيف أقف مرة كي أقول: لا. أريد مثلك أن تكون لي حياة، أو أنك لن تسافر من دوني وإلا... لكني لا أقوى أيضاً على الشروط. إلا: شرط. وأنا مرعوبة من الرجل وشروطه، وغير معترف لي ومجاز أن أستعمل الشروط عليه، وافتراضية السفر، افتراضية ترفيهية لن أتطرق لها. لكن ما بالك بالسهر وحده واحتكار العمل والمشاركة وحتى لسماع كلمة حلوة من هذا الرجل. كم أتمنى لو كان لهذا الرجل الشرقي الشرفي لغة مفطورة على الجمال والمفردات والرومانسية المهذبة الحالمة، لكن نوافذ قلبه مقفلة. وبما أنني في زمن الانفتاح على الآخر وقد تعلمت قيمة ذلك أخيراً في أن أذهب أنا إلى الآخر، أن أقف عند عتبته وأن أدق الباب، ففعلت ووجدت أن أبواب عقله مثل قلبه مقفلة، مقفولة، موصدة. نحن النساء في حاجة إلى رجل شهم مخلص صادق وفيّ، ويعرف كيف تفتح الأبواب، يعرف كيف يتلو قصيدة، له صوت ساحر يلقي به الأشعار ويعزف الموسيقى بأنامله، يعرف كيف يكون نفسه ويكون سواه وأن تشعر المرأة معه أنه يكتشفها، يُصغي إليها بنهم. عنده لغة الحب المرتعش المضطرب المستحي. فليستحي على دمه هذا الرجل، لا كلام ولا أفعال. أجلس مع الثرية ومع الفقيرة، مع الجاهلة ومع المثقفة، مع الحلوة ومع البشعة، مع الشابة ومع المسنة، وكلهن على المنوال نفسه: ما فيه رجال. مراهق هذا الرجل وكلهم ذاك الرجل، ولو بلغ الواحد منهم أرذل العمر، مراهق. مرة يريد أن يتزوج ثم أن يتزوج على زوجته، مرة بعلمها ومرة من دون علمها، مرة مسيار صغيرة غندورة ومرة شرعية وهي أم العيال، مرة سريّة ليست للنشر ومرّة يريد أن يطلقها، مرّة الانفصال ومرة الهجر. في كل الحالات ومع كل النساء هو غير راضٍ وغير مكتفٍ وغير قانع، وكلامه عنها يدغدغ الرأس لكنه يُصيب بالشقيقة، فهل يصبح الرجل سبباً من أسباب الأوجاع والآلام؟ الزواج هو المودة والرحمة، هو تلك الصداقة الدائمة، هو تلك العلاقة الشاملة، ليس هو الخصام والعراك، إلا أنه في هذه الأيام تطور إلى اختصام قانوني، وصارت العائلات بسببه تتعارك، وترى بأم عينيك وفي المحاكم الأم والأب. المرأة ترضى غالباً بأقل الحلول وبأنصاف الحلول يا أخي ومن دون حلول ولا تقول «لا»، تلك الكلمة الوقحة قليلة الأدب، فهي ليست في قاموسنا، فخلِّ عندك أدب. ماذا حلّ بهذا الرجل؟ ويا رجل لو راقبت كلامك اليوم ستجد أنك لم تعبّر ببيت شعر واحد ولا حتى بمثل من الأمثال المحكية، ولو راقبت كلامك اليوم ستتأكد من أنه يخلو من العناصر الشعرية ومن الرونق ومن اللطف ومن حسن العبارة، ولو راقبت أفكارك ستجدها ناقدة لا تحرك خيالاً ولا تنعش عاطفة ولا تهز كيانك ولا كيانها. نقداً دائماً للمرأة. لو راقبت تصرفاتك اليوم ستجدها مادية بحتة خالية من احترامها وإعطائها حقوقها والتزامك بواجباتك القلبية والفكرية والروحية، ومعظم النسوة لا يعرفن كيف يقلن لا للرجل. أعرف امرأة عاملة يأخذ زوجها راتبها ولا تقول له: لا. وعلى رغم هذا فأخونا متضايق بحجة أنها لا تعطيه الوقت الكافي والاهتمام الشافي، عيب. لكن لو أنها من البداية قالت له: لا قف، فهل كان ذاك الرجل سيتمادى؟ وأعرف أخرى إلا أنها على العكس تماماً من السابقة، فزوجها عنده «قرشين حلوين»، ولذا يشوف نفسه ويغيّر رأيه فيها مثلما يغيّر رأيه في جواربه وشاربه ولو وقفت وقالت له: لا، قف عند حدك، هل كان سيتمادى؟ وكم من مثال ومثال لو وقفت إحداهن وقالت: لا، أما كانت حالنا نحن النسوة أفضل؟ إلى متى سنقف بحيادية تجاه أنفسنا نحن النسوة المغلوبات على أمرنا، لا نصدر أي قرارات حاسمة جازمة تجاه هذا الكائن المتسلّط، ولا نتعلم كيف نقول له: قف. لو فعلنا لكانت الحياة معه أجمل وأفضل، ولكننا لم نفعل. لعلنا لم نحبه ولم نحب أنفسنا، فمن يحب جيداً يعرف جيداً كيف يقول: لا. خلف الزاوية أحبك حقاً بكل اتقاد الحنين بخبرة كل السنين ولكني بحبك... دعني أعيد النظر [email protected]