أن تُقدّم قناة تلفزيونية عربية في شهر واحد لقاءين مع شخصيتين كبيرتين في حاضر المعرفة الانسانية والفكر والعلم، فذلك أمر جدير بأن نتوقف عنده، ونزجي التحية له، خصوصاً وهو ياتي في واقع تلفزيوني تسود معظم ما يقدم فيه سمات الغثاثة ولغة المهاترة في إبداء الرأي أو إعلان الموقف، فضلاً عمن نجدهم يهرفون بما لا يعرفون، وهم كثر على الشاشات العربية... ليظل المشاهد العربي هو الخاسر على فرس الرهان، والضحية أيضاً. كنا قد توقفنا، قبل أيام، مع احد هذين المفكرين، تشومسكي، ونتوقف اليوم عند الشخصية الثانية، المفكر والعالم العربي رشدي راشد الذي قدمه أحمد منصور في برنامجه الأسبوعي «بلا حدود» من قناة «الجزيرة» الفضائية. وإذا كان للمحاوِر دوره في مثل هذا البرنامج فإن دور أحمد منصور كان، هنا تحديداً، دور من يسعى الى أن يجلو ما يمكن تسميته بالحقيقة الغائبة، أو المغيبة في واقع عربي لا همّ للإعلام فيه إلا تلميع «صورة الزعيم». ومن هنا وجدنا مقدّم البرنامج يدفع ضيفه باتجاه الكشف عن الحقيقة وقول ما قد لا يقوله سواه فيها، وبالطريقة العلمية التي اعتمدها الضيف في ما قال... فكاشف الواقع بعلله وامراضه، وقال لمن ينشدون الحقيقة إن الدرب إليها من هنا (مؤكداً دور العلم في ذلك). ومما قاله رشدي راشد في هذا اللقاء إن النهضة تمثل كلاً متكاملاً في حياة الأمة أو لا تكون... فليست هناك نهضة في جانب وإهمال أو تخلف في جوانب أخرى. وقال أيضاً إنه حين قدّم المعرفة العربية الاسلامية في أصولها الأولى، الى العرب والغربيين على السواء، إنما قصد الى شيئين، الأول منهما هو ان يقدم هذه المعرفة بما لها من تاريخ كلي متكامل، محاولاً ربط العقل العربي بالمسار الصحيح للنهضة في بعدها التاريخي هذا. والثاني ليقول إن العرب الذين يطمحون الى هذا في الحاضر كان لهم ذلك في الماضي... فهم يمكن أن يكونوا من جديد بالتواصل مع أصول الفكر والمنهج. وتوقف رشدي راشد في هذا اللقاء عند الواقع العلمي في الحياة العربية بعامة، فلم يجد فيها شيئاً ينطبق عليه مصطلح العلم وما هو علمي من دون أن يستثني واحدة من جامعاتنا. وميّز رشدي راشد بين «المؤتمر العلمي» و «المهرجان»، مشيراً الى أن مؤتمراتنا العربية لا تكتسب شيئاً من أساسيات البحث العلمي! وقال رشدي راشد الكثير: عن التدريس في جامعاتنا، الى جانب إشارات أخرى ذات دلالة، منها أننا حين نوهم أنفسنا بأن من يأتون إلينا من جامعات الغرب ليحاضروا مدة محددة في جامعاتنا هم من كبار الأساتذة في جامعاتهم، وهم في الحقيقة ممن لا أهمية علمية لهم، ولا دور علمياً في تلك الجامعات!... وقال: إن العلماء الحقيقيين لا يأتون الى جامعات مثل جامعاتنا! فهل لنا أن نتأمل في ما قاله هذا العالم العربي الكبير، ونناقش بعلمية عديد الأفكار التي جاءت في ما تكلم فيه؟