برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي تبثه قناة «الجزيرة» والذي تناولت حلقته الأخيرة تكاثر المحطات الفضائية العربية، كان موضوع تعليق الزميل إبراهيم حاج عبدي المنشور في «الحياة» الأحد الماضي. في المقالة بان دفاع عن هذا الواقع الفضائي العربي وتأييد واقتناع بآراء الزميل إبراهيم العريس الذي كان ضيف الحلقة. لم تتسنَّ لي للأسف مشاهدة البرنامج، بالتالي، سيكون تعليقي منصبّاً على ما كتبه الزميل. «التلفزيون لا شيء عن كل شيء» عبارة كتبتها مرة في إحدى المقالات التلفزيونية، ولا زلت عندها ولا سيما في ظل العدد الهائل من المتاح فضائياً. إن عبارة «الكم يفضي إلى النوع» التي جاءت في الحوار التلفزيوني والتي اقتنع بها الكاتب، قد تكون صحيحة نظرياً لأن الكم يفرض المنافسة وبالتالي العمل على تحسين النوعية، إنما أين ترجمتها على أرض الواقع وأين نجد هذا «النوع»؟ من هي المحطة العربية التي يمكن حقاً إطلاق هذا الوصف عليها؟ ليست كثرة المحطات الفضائية والأرضية «دليل عافية» بل دليل فوضى في ظل الواقع الحالي، فما تعنيه الكثرة ومعظمها غث؟ وحين نجد ما يستحق الفرجة كم يتطلب هذا من وقت لنقع عليه؟ إن قول المعري الذي تم الاستشهاد به «الشيء لا يكثر مداحه إلا إذا قيس إلى ضده» صحيح غير أنه في حال الفضاء العربي لا ينطبق إلا على نشرات الأخبار وبرامج الحوار السياسي، فهنا وهنا فقط نملك «الاستفادة» من التعدد بسماع وجهات نظر متنوعة تخلّص المشاهد من متابعة الخطاب الرسمي الذي ملّه واحتفالاته التي سئمها. أما ثقافياً فلا يوجد حتى محطتان يمكن عقد المقارنة بينهما، بل كل ما يتوافر برنامج هنا وآخر هناك لا يمثلان توجهاً عاماً لأية محطة. في هذا المجال ثمة قضية أخرى يثيرها هذا الكم المبالغ فيه من المحطات، إذ حين يتواجد البرنامج الثقافي المختلف فإنه يحتاج إلى صبر المشاهد الذي اعتاد السطحي والتافه سواء على صعيد الأفلام أو الموسيقى، والذي لا تكل يده من القفز الفضائي لساعات كل يوم. كيف لهذا المشاهد أن «يصمد» أمام ما لم يعتده وما يتطلب منه تشغيلاً للذهن وتركيزاً فيما عشرات الخيارات الأخرى «السهلة» متاحة له؟! أما فقرة الزميل إبراهيم حاج عبدي الأخيرة حول الفكرة الأساسية التي استخلصها من هذا الجدال والتي تتمثل في رأيه في «التوجس من مسألة التعدد والتنوع والاختلاف» وفي «الكشف عن اللوحة المزدحمة الحافلة بالألوان» عربياً، فإن كثرة الفضائيات قد تكون كشفت بعض الشيء مما حاولت الجهات الرسمية طمسه خلال عقود، لكنها، أي هذه الكثرة، تظل «وهماً» ديمقراطياً، وليس وجود محطات مذهبية أو ممثلة لقوميات غير عربية هو غنى بل على العكس لأننا لا نرى هذا التعدد وهذا الكشف، وللأسف، على شاشة محطة واحدة تتسع للجميع وإنما على محطات «مختصة» ما يعني توجه كل طائفة لفضائها. لا بد من الإشارة إلى أن كلامنا لا يعني وقوعنا في فخ الكلام الممجوج عن «المؤامرة».