دخلت النيابة العامة المصرية على خط الأزمة المشتعلة في شأن عمليات توريد القمح المحلي، بكشفها «فساداً ضخماً» وعمليات تلاعب في تلك المنظومة كلفت الدولة أكثر من نصف بليون جنيه استولى عليها متلاعبون. وتشتري الحكومة القمح المحلي بأسعار تفوق نظيره المستورد لتشجيع المزارعين المحليين. لكن السلطات اكتشفت أخيراً استغلال بعض موردي القمح المحليين هذه الممارسة لتحقيق أرباح غير مشروعة عبر خلط القمح المحلي بآخر مستورد أقل جودة وسعراً، وبيعه للحكومة باعتباره محلياً. وأثارت تلك القضية جدلاً دفع البرلمان إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق جابت عدداً من صوامع تخرين القمح وتحدثت عن تلاعب في التوريدات. وأوقفت اللجنة البرلمانية عملها فجأة من دون ذكر أسباب، في حين اعتبر وزير التموين أنه لا يتحمل المسؤولية السياسية عن الفساد الذي شاب عمليات توريد القمح باعتبار وزارته هي من كشفته، لكنه في الوقت ذاته رأى أن المسألة «تثير ضجة لا تستحقها». وأصدر النائب العام نبيل صادق أمس قرارات بضبط وإحضار عدد من مرتكبي عمليات التلاعب في توريد القمح المحلي، قالت النيابة إنها مكنتهم من مبلغ 533 مليون جنيه. وقرر إدراج أسماء الفارين منهم على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، ومنعهم وأزواجهم وأولادهم القصر من التصرف في أموالهم وممتلكاتهم أو إدارتها، والتحفظ عليها، ووقف صرف أي مستحقات للمتهمين مرتكبي الجرائم. وعُلم أن بين المتهمين أصحاب صوامع وموظفين ومسؤولين في تلك المنظومة. وكشفت التحقيقات التي تباشرها النيابة العامة في شأن تلك القضية اختلاق كشوف حصر بأسماء مزارعين وحائزي أراض زراعية، وإثبات قيامهم بزراعة تلك الأراضي بمحصول القمح، وإثبات توريد تلك المحاصيل على خلاف الحقيقة إلى الصوامع التخزينية. وكانت التحقيقات أظهرت اشتراك مسؤولين في الإدارات الزراعية مع بعض أصحاب الصوامع في التلاعب بعملية توريد القمح المحلي. وتبين من التحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة العليا أن الكميات المثبت توريدها على خلاف الحقيقة بموجب تلك الكشوف المصطنعة بلغت 221.8 ألف طن قمح، تقدر قيمتها الإجمالية بمبلغ 621 مليون جنيه، وتمكن المتهمون من أصحاب تلك الصوامع من صرف مبالغ مالية بلغت 533 مليون جنيه بلا وجه حق باستخدام الكشوف المزورة. وكانت محكمة جنايات القاهرة قررت إرجاء نظر الطلب المقدم إليها من النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق لمنع 17 متهماً في التحقيقات المتعلقة بالتلاعب بالقمح من التصرف في أموالهم، إلى جلسة 15 أيلول (سبتمبر) المقبل لتمكين الدفاع عن المتهمين من الاطلاع على أوامر المنع الصادرة بحقهم. وحضر عدد من المتهمين المطلوب منعهم من التصرف في أموالهم وزوجاتهم، وقرروا أمام المحكمة عدم وجود أي معلومات لديهم عن قرار النائب العام المعروض على المحكمة، في حين طلب محاموهم إمهالهم إلى حين الاطلاع على تلك القرارات. وشملت القائمة عدداً من كبار موردي القمح وزوجاتهم وأبنائهم القصر، لمنعهم من التصرف في كل أموالهم السائلة والمنقولة والعقارية وأرصدتهم المصرفية. من جهة أخرى، قررت محكمة جنايات القاهرة إرجاء النظر في التظلم المقدم من رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق لطلب رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول إلى جلسة 15 أيلول (سبتمبر) المقبل. وجاء قرار الإرجاء لتكليف النيابة العامة بتقديم مذكرة بالمعلومات في شأن موضوع التظلم. وطالب الدفاع عن شفيق المحكمة بإصدار قرار برفع اسمه من قوائم ترقب الوصول، مشيراً إلى أن كل القضايا المتعلقة به صدرت فيها أحكام نهائية بالبراءة والحفظ، باستثناء قضية واحدة تحقق فيها نيابة الأموال العامة العليا، «ولم تتم مباشرة إجراءات التحقيق فيها، كما لم يستدع شفيق لسؤاله عن الوقائع المنسوبة إليه في شأنها». وأضاف أن «تلك القضية أحيلت على مكتب الخبراء لإبداء الرأي الفني فيها، وانتهت تقارير الخبراء إلى عدم وجود ثمة مخالفات مالية». واعتبر أن وضع اسم شفيق على قوائم ترقب الوصول «جاء في ضوء بلاغات كيدية قدمت ضده، وهو مستعد بصورة كلية للتحقيق معه في أي وقائع منسوبة إليه». وقدم الدفاع إلى المحكمة صور الأحكام القضائية الصادرة بالبراءة لشفيق، وقرارات حفظ التحقيقات في البلاغات التي سبق تقديمها ضده.