تعتبر قرى تمنية التابعة لمنطقة عسير، التي تبعد عن مدينة أبها نحو 43 كلم، من أبرز الوجهات السياحية التي يقصدها المصطافون. ويأتي في مقدم معالم «تمنية» المباني التراثية التي تتنوع بين الحصون المحافظة على شموخها على رغم مرور مئات السنين على بنائها، وكان يستخدمها الأجداد في حماية قراهم ومنازلهم ومزارعهم، والمنازل التراثية العديدة، والمزارع وآبار المياه، إذ إن الزراعة هي المهنة الأولى التي كان يمتهنها الأجداد، ويليها الرعي، وذلك لوفرة المياه، والغطاء النباتي المتنوع الذي يغطي تلك القرى. وأدرك أهالي قرى تمنية أهمية منازلهم التراثية، فهي بالنسبة لهم ليست مجرد تراث، بل هي تحكي تاريخاً عريقاً يمتد جذوره لمئات السنين، لذا قاموا بترميمها وإعادة إحيائها. في مركز القرية، تقع ساحة كبيرة يسميها أهل المكان ب«الحوية»، ويستخدمونها لاستقبال ضيوف القرية والترحيب بهم، ولا يزال أهالي القرية يحيون هذه العادة في المناسبات الكبرى. وعلى علو من الساحة، تقع «حجرة الجماعة»، وهي المجلس الذي يقيم فيه الضيوف، ويحل فيه كبار القرية مشكلاتهم، ويصلحون ذات البين، ويناقشون كل ما يخص شؤون قريتهم، عبر اجتماع شهري، وما زالوا يقيمونها حتى الآن، كما يهدف المجلس إلى الحد من هجرة أفراد القرية إلى المدينة، وفي الطابق السفلي من تلك الحجرة تقع المدافن، وهي أشبه بالمخزن الاستراتيجي للقرية، والمدفن هو حفرة عمقها بين ثلاثة إلى أربعة أمتار، تخزن فيه المحاصيل الزراعية. ويخرج كل مقتدر في القرية من محصول مزرعته ويسلمه لأمين القرية، ويدفن في تلك المدافن التي تمتاز بدرجة حرارة مناسبة لحفظ الحبوب، وتخرج تلك الحبوب لضيوف لقرية أو في أوقات الحاجة وحروب القبيلة القديمة التي تُحاصر فيها القرية. ويحكي العم علي الشهراني تفاصيل الحياة القديمة في القرية قائلاً: «إن مبانيها صممت بطراز معماري فريد، ويتوسط المباني ممر موحد، ولكل منزل في القرية مدخل خاص به، ويوصل الممر إلى البئر التي كانت تعتبر مصدراً للمياه». وتحوي القرية الوادعة بطبيعتها ومزارعها، مدرسة يعود تاريخها إلى عام 1368ه تقريباً. ويقول الشهراني: «إن الملك عبدالعزيز جاء ليوحد الوطن، ويبث الأمن والرخاء، إذ أرسل معلماً سودانياً وكان يدعى الشيخ يوسف، ونصح أهالي القرية بفتح مدرسة، وأنشئت مدرسة تمنية، وتلقى الكثير من أهل القرية تعليمهم فيها. وفي جوار المدرسة، يقع جامع القرية القديم، الذي يشير كبار القرية إلى أنه بني في عصر قديم جداً، ويحوي بئراً لها ميزة خاصة لا تزال تحافظ عليها حتى اليوم بحسب رواية السكان، وهي أن ماءها باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، كما تنفرد بعذوبة طبيعية. ووثق المواطن عبدالهادي آل مهدي، تاريخ قريته في متحف تمنية للتراث، وهو من المتاحف الخاصة المعتمدة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ويزخر بمحتويات جعلته مميزاً عن غيره من المتاحف في المنطقة، كالدكان القديم والألعاب الشعبية القديمة والخناجر وإيصال حج في عهد الملك عبدالعزيز، والعملات الورقية القديمة في عهد الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، والآلات الموسيقية العتيقة. كما ضم المتحف عدداً من المصاحف المخطوطة والمطبوعة والتوراة وحلي النساء والأدوات الدراسية القديمة، وفي الطابق الثاني يتيح تصميم المتحف للزائر أن يعايش ما كان يعيشه السابقون من الأجداد، إذ يحاكي تصميمه الطراز المعماري القديم بمنطقة عسير.