السعودية تتصدر عالمياً بسعة أنابيب نقل تصل إلى 19.4 مليون م3 يومياً    خبيران فلسطينيان ل«عكاظ»: خطة نتنياهو لليوم الثاني للحرب خطيرة    مصادر ل«عكاظ»: الاتحاد يدرس شراء عقد العمري من النصر    براً وبحراً وجواً.. ضبط 2124 حالة ممنوعة خلال أسبوع    القبض على (15) مخالفًا لنظام أمن الحدود لتهريبهم (342) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    مؤسسة سلطان الخيرية والإيسيسكو تطلقان مشروعًا رياديًا لتعليم اللغة العربية في موريشيوس    محمد صلاح هدف الهلال الأبرز في يناير    قرارات في النصر بشأن بيولي وتاليسكا    تكريم 85 خاتمة لكتاب الله في خميس مشيط    7.4 % نمو بالإنفاق على تكنولوجيا المعلومات    ضبط 21,485 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الشؤون الإسلامية بالمدينة تحصد المركز الاول في العمل التطوعي    كنو يرفض 8 ملايين في الموسم    القصيم تستعد ل "كليجا بريدة"    أمير جازان يرعى حفل موسم "شتاء جازان 25"    اليوم.. اقتران بين كوكبي الزهرة وزحل    ميدان فروسية الجبيل يقيم سباقه العاشر التصفيات التمهيدية لأبطال الميادين    مجموعة فقيه للرعاية الصحية الراعي الذهبي لمؤتمر ومعرض الحج 2025    فئران تغزو غرفة أدلة الشرطة.. وتنتشي ب400 ألف رطل مخدرات    هل يتفوق الروبوت على البشر في جراحات الكبد المعقدة؟    المركزي الروسي يخفض الدولار واليورو ويرفع سعر اليوان الصيني أمام الروبل    الموسيقار العالمي أنتوني هوبكنز يبعث من الرياض رسائل إنسانية وفنية عميقة    انخفاض في درجات الحرارة في المناطق الشمالية للمملكة    «تيك توك» تعلن تعليق خدماتها يوم الأحد في أمريكا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الحكومة الأمريكية تمنح «موديرنا» 590 مليون دولار لتطوير لقاح إنفلونزا الطيور    إنسان جازان.. لوحة فنية وأصالة شعرية في حفل افتتاح موسم شتاء جازان 25    جمعية الإستشارات النفسية بجازان تشارك بركن تعريفي في معرض «دن وأكسجين»    أزمة في النصر    النصر يكسب القادسية بثلاثية في دوري السيدات    الحقيل يكرم وكالة شؤون الإسكان بأمانة القصيم لتحقيقها مستهدف التمليك    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    بايدن يخفف أحكاما صادرة بحق 2500 شخص    انطلاق ملتقى القمة السعودية لريادة الأعمال الاجتماعية برعاية نائب المدينة    مركز وتد الحياة يطلق مبادرة مجتمع واعي بالمدينة المنورة    أمير منطقة جازان يرعى حفل موسم "شتاء جازان 25"    لابورت مدافع بقدرات تهديفية في النصر    مجلس الأمن يرحب بانتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان وتكليف نواف سلام برئاسة الوزراء    محمية الملك عبد العزيز الملكية تنضم للقائمة الخضراء الدولية    مسببات خطرة للعقم تجهلها النساء    متى يشكل صداع الأطفال خطورة    بدء استقبال المشاركات لجائزة الأمير فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز    نقل مراسم تنصيب ترامب إلى داخل الكونغرس بسبب البرد القارس    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    فريق أمل وعمل ينفذ مبادرة تطوعية في مؤسسة رعاية الفتيات بجازان    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    أمر ملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    اضحك على نفسك    صفقات مليونية واتفاقيات شراكات بين كبرى شركات مؤتمر ومعرض الحج بجدة    متحدث أمن الدولة: السعودية لم تكن يوماً أداة لخدمة الأهداف الخارجية    آل الشيخ : الإسلام دين راسخ لا تهزه محاولات التشويه والمملكة ستبقى صامدة ومخلصة في الدفاع عنه    شركة HONOR تُطلق Magic7 Pro في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المستقبل هُنا مع ميزات الذكاء الاصطناعي وأحدث الابتكارات في عالم الهواتف الذكية    إستراتيجية لتعزيز السياحة البيئية بمحمية الملك عبدالعزيز    تعزيز مكانة محمية الملك عبدالعزيز البيئية والسياحية    محمية الملك عبدالعزيز تطلق إستراتيجية لتعزيز مكانتها البيئية والسياحية    أمير القصيم يؤكد على السلامة المرورية    السعودية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتثمن الجهود المبذولة من قطر ومصر وأمريكا    هدنة مشروطة تحت الاختبار في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي انعكاسات أزمة اللاجئين السوريين على لبنان؟
نشر في الحياة يوم 03 - 08 - 2016

تناولت في مقال سابق نشر في «الحياة» خلال النصف الأول من حزيران (يونيو)، تداعيات أزمة اللاجئين السوريين على لبنان في المديين القريب والمتوسط، كما عرضت تأثيرات هذه الأزمة على لبنان على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. واستنتجت أن على الحكومة اللبنانية وضع خطة طوارئ من أجل مواجهة احتمال تدفق مزيد من اللاجئين، خصوصاً في حال حصول انتكاسات أمنية كبيرة في العاصمة دمشق أو في المناطق الساحلية السورية. لكن يبقى التهديد الحقيقي الذي يتحول إلى تهديد «مصيري» يتعدى كل الأخطار والمفاعيل المترتبة على النزوح السوري الكثيف إلى لبنان ممثلاً في إمكان توطين مئات الآلاف من اللاجئين، بما يؤثر سلباً على مستقبل النظام اللبناني.
يخطئ من يعتقد أن أزمة اللجوء السوري إلى لبنان هي أزمة عابرة أو موقتة وستنتهي مع انتهاء الحرب الجارية على الأراضي السورية. فنهاية القتال لن تفضي إلى عودة سريعة للاجئين، وقد تستغرق إعادة بناء ما تهدم من بنى تحتية أساسية وإعادة إعمار المدن والقرى التي تهدمت بشكل شبه كامل من أربعة إلى خمسة عقود، وهذا يقودنا إلى استنتاج واقعي وسريع أن إقامة هؤلاء اللاجئين ستطول وسيصبح من الصعب إقناع مئات الآلاف منهم ب «العودة الطوعية» إلى ديارهم.
يبدو بوضوح أن التعقيدات الإقليمية والدولية الناتجة عن الحرب السورية، وخصوصاً تناقض المصالح القائم بين اللاعبين الأساسيين في الحرب، تطرح جدياً أخطار استمرار القتال لسنوات عديدة مقبلة. ولا يمكن استبعاد أن تؤدي إطالة أمد الحرب إلى حدوث موجات نزوح جديدة تُفاقم الأخطار التي يواجهها لبنان في المديين القريب والبعيد. وفي هذا الإطار فإنه من المنطقي والواقعي أن يتحضر لبنان لمواجهة ضغوط سورية وإقليمية ودولية من أجل توطين أعداد كبيرة من اللاجئين.
تهديدان مصيريّان
وإذا حدث أن خضع لبنان «طوعاً أو قسراً» للضغوط التي تمارَس عليه إقليمياً ودولياً في تعامله مع ملف اللجوء، فإن ذلك سيعني مواجهة تهديدين مصيريين، هما:
التهديد الأول: يتمثل بنشوء تنظيم أو تنظيمات مسلحة في مخيمات اللاجئين السوريين وتجمعاتهم في لبنان، خصوصاً في منطقتي البقاع والشمال، وذلك بحجة الدفاع عن مصالح اللاجئين وحمايتهم من جهة، أو بتخطيط وتشجيع من فصائل الثورة المسلحة العاملة في الداخل السوري، وذلك ضمن مساعي هذه التنظيمات لزيادة نفوذها في أي تسوية سياسية مقبلة.
لا يتسع المكان للتوسع في الحديث عن كل السيناريوات الممكنة لنشوء تنظيمات مسلحة، ولكن يمكن الاستدلال على ذلك من خلال استعادة تجارب لبنان الدراماتيكية مع اللاجئين الفلسطينيين بعد نشوء المقاومة وتركزها في لبنان، وإقامة دويلة على حساب السيادة اللبنانية مع كل ما خلفه ذلك من تداعيات على سيادة الدولة اللبنانية والانزلاق إلى حرب أهلية استمرت عقداً ونصف عقد.
التهديد الثاني: يتمثل بتوطين أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين قسراً أو بصورة قانونية، مع احتمال حصول الأمرين معاً. ويمكن في ظل حدوث هذا السيناريو توقع تجنيس بضع مئات آلاف اللاجئين وأكثرهم من الطائفة السنية.
يترتب على هذا الأمر إخلال كبير في الديموغرافيا اللبنانية والتوازنات الطائفية، بما يهدد صيغة النظام القائم على هذه التوازنات وفق صيغة دستور «الطائف».
إن أعداد اللاجئين السوريين مرشحة للزيادة مع إمكان تدفق أعداد جديدة أو بسبب الولادات في العائلات اللاجئة والتي باتت تتساوى مع عدد ولادات اللبنانيين.
ترتفع نسبة الضغوط التي يواجهها لبنان مع الجهود الأوروبية الكثيفة لمنع هجرة اللاجئين من دول الجوار السوري باتجاه دول الاتحاد الأوروبي. وستؤدي هذه الضغوط إلى تحويل لبنان إلى «خزان مغلق لإقامة اللاجئين فيه». وهذا ما أشار إليه مسؤول أوروبي رأى أن عدد السكان في البقاع قد تضاعف بسبب اللجوء السوري. وسيؤدي هذا الأمر إلى استعمال مضاعف لكل البنى التحتية المتوافرة وسينشأ عن ذلك حالة من التوتر والعداء بين السكان المحليين واللاجئين.
لا تمكن مقارنة وضع اللجوء في لبنان به في الأردن، فثمة اختلاف واضح بين الحالتين. ومن أبرز نقاط هذا الاختلاف: أولاً، ضعف السلطة اللبنانية في التعامل مع الأزمة السورية ومع الأزمة الناتجة عن اللجوء مقارنة بنظام قوي يرأسه الملك عبدالله الثاني نجح منذ البداية في تنظيم أوضاع اللاجئين على الأراضي الأردنية. وقد حمل الملك شخصياً مشاريع إغاثتهم وتقديم المساعدات الاقتصادية والاستثمارات للدولة الأردنية، مبكّراً في طرح هذا الأمر على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمؤسسات الدولية. وحصل توافق دولي على تمويل الخطط الأردنية بسرعة قياسية، وهذا ما حال دون ظهور أي حساسيات سياسية واجتماعية بين المجتمع المضيف واللاجئين.
لم تتوافر في لبنان وحدة القرار السياسي والتوافق الوطني لمعالجة أزمة اللجوء السوري وقبله الفلسطيني ووقفت السلطات اللبنانية مرتبكة وعاجزة عن معالجة آثار اللجوء. ولم تنجح السلطة اللبنانية في تنفيذ قرار «النأي بالنفس» الذي أعلنته حكومة نجيب ميقاتي والذي شكل في الواقع اجتهاداً لفظياً لم تستطع الدولة ترجمته إلى مشروع عملي يخفف تدفق أعداد اللاجئين أو ضبط أوضاعهم من خلال جمعهم في مخيمات مركزية على غرار ما جرى في الأردن وتركيا.
ثانياً: نجحت السلطة الأردنية في إبقاء مشكلة اللاجئين ضمن حدودها الاقتصادية والاجتماعية بعدما نجح الملك من خلال زياراته لبروكسيل وعواصم القرار، بالإضافة إلى المفاوضات «السلسة» التي أجراها مع الجانب الرسمي السوري في منع حصول تعقيدات في العلاقات السياسية أو عبر الحدود مع النظام السوري وفي تدارك حصول إرباكات لدى اللاجئين وبما يسهل اختراق مخيماتهم من جانب عملاء النظام في دمشق. بالمقارنة تعدت مشكلة اللجوء في لبنان البعدين الاقتصادي والاجتماعي وتسببت بحالة من الانقسامات على الصعيدين الرسمي والشعبي. وبعد خمس سنوات من انفجار الوضع السوري قفزت أخطار التوطين إلى الواجهة وذلك على أثر صدور تصريحات دولية بدأت التبشير بإقامة طويلة، والتشجيع على عودة آمنة «بناءً على توافر الظروف الملائمة». وشكلت هذه «الديباجة» الدولية الغطاء لقرار الدول الأوروبية رفض استقبال مزيد من اللاجئين.
خيارات «مستحيلة»
يواجه لبنان مجموعة من الخيارات «المستحيلة» بعدما توضحت مواقف دول الاتحاد الأوروبي برفض قبول المزيد من اللاجئين. والحال أن الاتفاقات التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع تركيا قد تحمل مزيداً من المتاعب للبنانيين والسلطة اللبنانية. في رأينا لم يبق أمام الحكومة اللبنانية في ظل هذه الظروف المستجدة سوى خيار طلب مزيد من المساعدات المالية ومواجهة الارتدادات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية بعدما فاق عدد اللاجئين ربع عدد اللبنانيين. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يحاول طمأنة لبنان من خلال الحديث عن اتفاق «شراكة جديدة» يقدم بموجبه الاتحاد مساعدات مالية محسوسة للبنان، مع وعود بترقية التعاون بين الطرفين إلى مستوى «الشراكة الإستراتيجية».
ولا بدّ أن يؤدي موقف لبنان الرسمي الضعيف إلى خضوع السلطة اللبنانية لضغوط المفاوض الأوروبي الذي يهمه منع حصول تدفقات جديدة عبر حدوده، مدركاً أن لبنان هو الحلقة الأضعف في التعامل مع أزمة اللجوء السوري، وأن الأمر سينتهي حتماً بتوطين مئات آلاف اللاجئين على أرضه.
والسؤال: هل سيحصل لبنان فعلاً على حصة عادلة من خلال هذه الشراكة الجديدة؟
إن وعود الدعم الاستثماري الذي يتحدث عنها الأوروبيون هي خيالية وتثير بالفعل «لعاب» المفاوض اللبناني، لكن التجارب السابقة لا تدعو إلى التفاؤل. ولن يساعد الفراغ والشلل الحاصلان في جسم السلطة اللبنانية على حصول لبنان على المساعدات المرجوة التي ستكون مشروطة في حال تأمينها. ولن يسمح سوء الإدارة اللبنانية والفساد الكلي المنتشر في جسم الدولة، وعدم صدور موازنة عامة منذ تسعينات القرن الماضي للبنان بالتزام الشروط المطلوبة. ويمكن أن يبقى الأمل الوحيد لتخفيف عبء اللجوء في تحويل المساعدات الخاصة للبنان إلى المجالس البلدية لتموّل بعض مشاريع البنى التحتية الأساسية ومنها تحسين التعليم وخدمات الطاقة والمياه.
لا يلوح في الأفق أمل في خروج لبنان من أزمته السياسية الراهنة، ومن البديهي توقع استمرار حالة الوهن والتفكك والتهالك في مؤسسات الدولة. في ظل هذا الوضع سيتحول اللاجئون السوريون إلى مصدر خطر مستفحل على لبنان لا يمكن تداركه إلا بقيام هيئات وطنية يشارك فيها المجتمع المدني من أجل تحصين لبنان ضد التوطين، وبالتالي منع إسقاط صيغة التوازنات الطائفية التي كرسها دستور الطائف.
* باحث لبناني في الشؤون الاستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.