يوم الثلاثاء 25 مارس الماضي، أقدمت امرأة سورية على إحراق نفسها أمام أعيُن أولادها الأربعة. حدث ذلك أمام مكتب للأمم المتحدة بمدينة طرابلساللبنانية، احتجاجاً على عدم حصولها على حصة غذائية لمدة ثلاثة أيام. المرأة كانت تصرخ بأعلى صوتها أمام المقر قائلة "أنا أقف هنا منذ ثلاثة أيام ولم أحصل على حصة غذائية، وعندي أربعة أولاد"، ومن ثم سحبت قارورة صغيرة من المياه تحتوي على مادة البنزين صبتها على جسدها قبل أن تقوم بإشعال نفسها بواسطة ولاعة. كانت تلك رسالة تذكير مؤلمة بالظروف اليائسة لأولئك الذين فروا من الحرب في بلادهم ليجدوا ظروفاً صعبة وسيئة قد تكون الحرب أحياناً أهون منها. ويوفر لبنانوالأردن اليوم ملاذاً لحوالى مليون و600 ألف لاجئ سوري على التوالي - أي نحو 20 و10% من سكان كل منهما - كما تتسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في أضرار فادحة. يقول تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" إن الأسوأ من ذلك، أن احتمال عدم عودة كثير من هؤلاء اللاجئين على الإطلاق إلى أوطانهم تهدد الاستقرار طويل الأجل لهاتين الدولتين". مشكلة لبنان هي ديموجرافية بالدرجة الأولى. غالبية السوريين في المنفى هم من المسلمين السنة، وفي بلد يعتمد على التوازنات الطائفية في كل تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد أدى تدفق اللاجئين إلى الإخلال بالتوازن الطائفي الحساس في لبنان الذي يشمل السنة والشيعة والمسيحيين. ومن ناحية ثانية، تسبب العمال السوريون في خفض الأجور وشكلوا ضغطاً على البنية التحتية في لبنان، والتي تعاني أساساً من نقص في التمويل. ووفقاً لتقرير صدر أخيراً عن "البنك الدولي"، فإن لبنان –الذي يعاني من عجز بلغ 4 مليارات دولار في 2013- سيحتاج على مدار الثلاث سنوات القادمة إلى ملياري دولار إضافية، فقط لتوفير الخدمات الأساسية للاجئين ومعالجة مشاكل الفقر الإضافية التي تسببت بها الأزمة السورية. المشكلة التي يواجهها الأردن بسبب أزمة اللاجئين السوريين ليست أقل أهمية. ففي حين أن خمس المغتربين السوريين يقيمون حالياً في معسكرات للاجئين، إلا أن معظمهم يعيشون في الأردن، حيث تسببوا برفع الإيجارات بنسبة تصل إلى 25%، ويزاحمون الأردنيين الذين يعانون من نسبة بطالة مرتفعة على فرص العمل النادرة. كما يوفر الأردن الرعاية الصحية والتعليم المجانيين للاجئين السوريين، الذين يتلقى 63% منهم مساعدات مالية من الأممالمتحدة. هذا الأمر بدأ يغضب الأردنيين. ومع استمرار تدفق اللاجئين إلى لبنانوالأردن، تزداد التوترات حدة بين اللاجئين والسكان المحليين. وقد وقع الحادث الأسوأ في ديسمبر عندما قام سكان قرية لبنانية في وادي البقاع بإشعال النار في معسكر موقت للاجئين، الأمر الذي ترك المئات منهم بلا مأوى. وحتى اليوم، كانت الأحداث منعزلة، لكنها قد تزداد حدة إذا ما استمرت أزمة اللاجئين لفترة أطول. وبما أن المؤشرات تدل على أن نظام بشار الأسد لا يواجه خطر الانهيار الوشيك، فإن الأزمة على ما يبدو قد تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى إذا ما سقط الأسد، يبدو أن سورية ستواجه صراعاً طويلاً ودموياً بين ميليشيات المعارضة المختلفة أيديولوجياً حول مستقبل الدولة. وعلى أي حال، ومع تدمير نحو الثلث من جميع منازل السوريين، لم يتبق سوى القليل مما يمكن للاجئين العودة إليه. لذلك، فإن وضع اللاجئين يبدو أنه سيستمر على ما هو عليه حالياً، ولا يمكن للمرء أن يتصور طول المدة التي سيقضيها السوريون في الأردنولبنان. وإذا وضعنا جانباً قضية الفلسطينيين التي لا يبدو أن هناك نهاية لها، تقدر "المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن أزمات اللاجئين تستمر 17 عاماً في المتوسط. المشكلة هي أنه كلما طالت فترة بقاء هؤلاء اللاجئين في الخارج، زادت احتمالية ترسيخ جذورهم في الدول المضيفة. ففي معسكر الزعتري للاجئين - الذي وفقاً لبعض الإحصاءات هو الآن خامس أكبر مدينة في الأردن - الذي لم تكن فيه ذات يوم سوى خيام، أصبح فيه الآن المزيد من البيوت الدائمة - المتنقلة على عجلات - والمجهزة بأطباق صناعية. وما هو أكثر من ذلك، أفادت التقارير بأن 500 شركة سورية قد انتقلت إلى الأردن منذ عام 2011. وفي لبنان أيضاً، يشتري السوريون العقارات ويفتحون شركات، كما تبني شركة "آيكيا" مساكن للاجئين، استعداداً لإقامة طويلة الأجل على ما يبدو. وقد تمت إقامة ما يقرب من 400 شركة غير مرخصة مملوكة لسوريين في سبع بلدات منذ منتصف عام 2013، مما أدى إلى حدوث خلل في توازن العمالة المحلية. وبحلول نهاية العام، زاد عدد الشركات فقد بلغ ال1,000 شركة تقريباً. ومع أن من الصعب التنبؤ بمستقبل اللاجئين السوريين في الأردنولبنان، فإن السوابق التاريخية تشير إلى الدول المضيفة في النهاية قد تعدهم مصدر تهديد وتقاوم اندماجهم، وسوف يتحول التعاطف الشعبي على الأرجح إلى عداء. إن الأزمة في سورية تعد، بحسب تصنيف الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، "أكبر مأساة إنسانية في وقتنا المعاصر". ومع الأسف، يبدو أن الأمور سوف تزداد سوءاً مع الوقت. وما لم يحدث ما هو غير متوقع، وما هو أقرب إلى المعجزة في الواقع، فقد يكون استقرار لبنانوالأردن الضحية القادمة للحرب في سورية بسبب المشاكل التي يعاني منها البلدان من وجود أعداد ضخمة من اللاجئين على أراضيهما.