عندما يذكر اسم كامل الكيلاني تتداعى إلى ذاكرتي عشرات القصص التي قرأت في طفولتي وتتداعى معها رسومها وألوان حروفها وروائح أوراقها. كنت مفتوناً بتلك القصص التي كانت تأخذني، على بساط من الكلمات، إلى عالم بهيج، كلّ ما فيه يذكي جذوة الخيال ويستنفر هامد الحواسّ... لم تكن القراءة في ذلك الوقت «متعة فكريّة» بل كانت نظراً ولمساً وشمّاً، أي كانت التهاماً للعالم من طريق الكلمات. فأنا لم أكن أقرأ فحسب وإنّما كنت أدنو من الشّخصيّات فأحاورها، وأمدّ يدي إلى الألوان فألمسها، وأقترب من الأوراق فأشمّها... كانت القراءة، بعبارة أخرى، عيداً من أعياد الجسد والخيال والروح. منذ ذلك الوقت باتت القراءة عندي بحثاً عن تلك المتعة، متعتي وأنا أقرأ قصص كامل الكيلاني وأتملّى في رسومها وأشكال حروفها حتّى إذا ما ظفرت بتلك المتعة استحضرت القصص التي قرأت في حداثتي. هذا الكاتب الكبير الذي تحوّل إلى جزء من ثقافتنا وذاكرتنا وتراثنا تريد إسرائيل هذه الأيّام الاستحواذ عليه والسّطو على مجمل آثاره الأدبيّة. فقد أقامت وزارة الثقافة الإسرائيليّة مركز دراسات في تل أبيب باسم كامل الكيلاني بعد أن ادّعت أنّه من اليهود الذين عاشوا في مصر في حيّ عابدين، معتبرة كلّ أعماله جزءاً من الموروث الشعبي الإسرائيلي الذي انتقل مع اليهود العرب إلى الثقافة العربيّة. وقد سبقت هذه الخطوة ترجمة كلّ أعماله إلى اللّغة العبريّة بل إنّ نجله رشاد الكيلاني أشار إلى إنّ الاهتمام بآثار والده بدأ «قبل أن يولد الكيان الصهيوني» مضيفاً أن «شمعون لندن مان» ترجم كلّ كتب كامل الكيلاني، وهو ما سهّل إنشاء مركز للماجستير والدّكتوراه ينعطف على أدبه بالنّظر والتأمّل. إنّ إسرائيل التي سطت على الأرض ما فتئت تسعى، بطرق ملتوية، إلى السّطو على تراث الوطن العربيّ، كلّ الوطن العربي، ناسبة إلى نفسها أهمّ آثاره الفكرية والماديّة بدءاً من الأهرامات وصولاً إلى الأغاني، مروراً بعديد المؤلّفات العربيّة التي لها، في نظر هذه الدّولة، «جذور يهوديّة». ومن المعروف أنّ إسرائيل تولي اهتماماً خاصاً بالدراسات الفلكلوريّة. فالفلكلور هو حجّة إسرائيل على وجودها القديم في المنطقة، وفي غياب هذا الفلكلور المزعوم، عمدت إلى سرقة الفلكلور العربي مدّعية أنّه يرتدّ إلى القبائل اليهوديّة التي كانت منتشرة في المنطقة. إنّ الوفاء لذكرى هذا الكاتب الذي اعتبره طه حسين من الكتّاب الكبار الذين لا يمكن تقويمهم بمعايير الحاضر، وإنّما بمعايير المستقبل، يقتضي إقامة مركز للدّراسات يهتمّ بأدبه، كما فعلت إسرائيل، ويطبع أعماله المخطوطة، وهي كثيرة، ويعيد نشر قصصه، التي ظلّت بسيطة في شكلها ورسومها، لتستجيب لأفق انتظار الطفل الحديث، وتخاطب ذائقته الجديدة التي شكّلتها الصور المتحرّكة وأفلام الكرتون ومسلسلات الخيال العلمي، كما يقتضي الوفاء لذكراه وقوف المؤسّسات الثقافية العربيّة والمصريّة إلى جانب نجله الذي رفع دعوى ضدّ وزارة الثقافة الإسرائيليّة متّهما إيّاها بتزوير الحقائق والسطو على كلّ تراث الرّجل بعد أن نسبته إلى «الوجدان الجمعي اليهودي». ولد كامل الكيلاني في القاهرة سنة 1897، اختلف إلى الأزهر وتعلّم في حلقاته اللّغة والأدب ثمّ درس اللّغتين الفرنسيّة والأنكليزيّة حتّى أجادهما. أصدر أوّل قصّة للأطفال سنة 1927 عنوانها السّندباد البحري، ثمّ توالت بعد ذلك قصصه التي بلغ عددها مئتين وخمسين قصّة. وكان للرجل مؤلفات في الأدب والتاريخ والشّعر لم تحظ بما حظيت به أعماله الموجّهة للطفل لعل ّأهمّها مصارع الخلفاء، وروائع من قصص الغرب، وملوك الطوائف وهو كتاب في التاريخ ترجمه عن دوزي. توفّي في القاهرة سنة 1959.