كثفت السلطات التركية أمس حملات الدهم والاعتقالات، بعد إجهاض محاولة الانقلاب التي نفذها عسكريون، إذ طاولت 6 آلاف شخص، بينهم عشرات الجنرالات، ومئات القضاة والمدعين، على رغم مواجهة السلطات «جيوباً» انقلابية، قرب مطار صبيحة جوكجين في اسطنبول، حيث أطلقت قوات الأمن أعيرة تحذيرية، خلال توقيف انقلابيين، وفي قاعدة جوية وسط تركيا. وأبرز الرؤوس المتدحرجة كان قائد قاعدة «إنجيرليك» الجنرال بكير ارجان فان، والعقيد علي يازجي، أبرز المساعدين العسكريين للرئيس رجب طيب أردوغان. وتعهد الرئيس التركي «مواصلة تطهير كل مؤسسات الدولة من فيروس انتشر فيها، مثل سرطان»، في إشارة إلى جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن، مطالباً الولاياتالمتحدة بتسليمه، ومشدداً على عدم التأخير في تنفيذ إعدامات. لكن واشنطن ربطت تسليم غولن بتلقيها أدلة دامغة على تورطه بانقلاب لم يستبعد الأخير أن يكون «مفتعلاً». تزامن ذلك مع تصاعد تحذيرات غربية للرئيس التركي من استغلال ما حدث ل «قمع» المعارضة، عبّرت عنها فرنسا بتأكيدها أن «لا شيك على بياض» لأردوغان، مشكّكة في التزام أنقرة الحرب على تنظيم «داعش». وأعلنت الخارجية التركية أن عدد القتلى في محاولة الانقلاب ارتفع الى اكثر من 290، بينهم مئة متمرد، والجرحى الى أكثر من 1400. وأكدت تورط جماعة غولن. وفي تطور مهم، أفادت وكالة «الاناضول» الرسمية للأنباء بتوقيف العقيد علي يازجي، أبرز المساعدين العسكريين لأردوغان، في إطار التحقيق في محاولة الانقلاب. وبثّت شبكة «سي. ان. ان. ترك» ان يازجي كان في أنقرة لدى تنفيذ المحاولة، فيما كان الرئيس في إجازة في مرمريس جنوب غربي البلاد. أتى ذلك بعد ساعات على إعلان وزير العدل بكير بوزداغ «عملية تنظيف مستمرة»، مشيراً الى توقيف 6 آلاف شخص، بينهم 34 جنرالاً، بمَن فيهم الجنرال بكير ارجان فان، قائد قاعدة «إنجيرليك» الجوية جنوبتركيا، لاتهامه بالتواطؤ مع الانقلابيين. وأصدر الجيش التركي بياناً، أكد القضاء على الانقلاب، مشدداً على أن القوات المسلحة في خدمة الدولة والشعب. واعتبر أن الشعب التركي أدى الدور الأكبر في إحباط المحاولة الانقلابية. وتحدث رئيس الوزراء بن علي يلدرم عن «عملية تطهير» سريعة، لكن مسؤولاً بارزاً نبّه الى «جيوب انقلابية» في اسطنبول. وأفادت تقارير إعلامية أمس بأن ضابطاً سرّب لأجهزة الأمن والشرطة خطة الانقلاب، قبل نحو 8 ساعات من تنفيذها، ما ساهم في إفشالها، وأضاع على الانقلابيين في جنوبتركيا فرصة الوصول الى أردوغان، إذ خططوا ل»التخلّص» منه. كما فشلوا في السيطرة على مقرَّي جهاز الاستخبارات ومديرية الأمن، على رغم قصفهما. وحض أردوغان أنصاره على البقاء في الشوارع حتى الجمعة المقبل، متعهداً «تطهير كل مؤسسات الدولة من فيروس انتشر فيها، مثل سرطان»، ولوّح بإعادة عقوبة الإعدام. وكان طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما بتسليم غولن، لكن الداعية التركي نفى الاتهامات الموجهة اليه، ولم يستبعد «انقلاباً مفتعلاً»، متهماً قادة ب»تدبير هجمات انتحارية وهمية لتعزيز دعائم حكمهم». أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري فكرّر أن بلاده تحتاج إلى «دليل وأساس قانوني قوي» لترحيل غولن الى تركيا، محذراً من أن محاولة أردوغان استغلال محاولة الانقلاب لتعزيز سلطته ستشكّل تحدياً لعلاقته مع أوروبا والحلف الأطلسي. وأضاف: «طالبنا (الأتراك) بالامتناع عن الإفراط في اتخاذ تدابير، لئلا يثيروا شكوكاً في شأن التزامهم العملية الديموقراطية». في السياق ذاته، رجّح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حدوث «قمع» بعد استعادة أردوغان «سيطرته التامة على الأمور»، فيما شدد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آرولت على أن الانقلاب لا يمنح الرئيس التركي «شيكاً على بياض»، وزاد: «لا يمكن أن يكون هناك تطهير، يجب أن يأخذ القانون مجراه». وأكد أن أنقرة «شريك حيوي» للغرب، مستدركاً: «هناك شكوك أيضاً هل هي جديرة بالثقة شريكاً» في مواجهة تنظيم «داعش». وحرص مسؤول فرنسي لاحقاً على تأكيد ان آرولت «لا يشكك في صدقية أنقرة في الحرب على التنظيم». أما وزير الخارجية النمسوي سيباستيان كورز فنبّه الى ان الانقلاب الفاشل يجب ألا يمنح أردوغان «حرية التصرّف بطريقة تعسفية». وكانت وكالة «الأناضول» أفادت بأن أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلتقيان في الاسبوع الأول من آب (أغسطس) المقبل. أتى ذلك بعدما اتصل بوتين بنظيره التركي، معزياً بضحايا الانقلاب، ومعرباً عن امله ب»عودة سريعة للنظام الدستوري والاستقرار». وطلب من أردوغان «ضمان اكبر مقدار من الامن» للسياح الروس في تركيا.