قال ضابط جيش سابق مطلع على تطورات الأحداث إن الانقلاب العسكري في تركيا فشل لأن الانقلابيين بدأوا محاولتهم في ما يبدو قبل الأوان، وهم غير مستعدين في شكل كامل. وأوضح الضابط أن «الانقلابيين بدأوا محاولتهم في ما يبدو قبل الأوان، لأنهم أدركوا أنهم تحت المراقبة»، وهو ما أيده مسؤولون آخرون في أنقرة. وأضاف أنهم «لم يكونوا مستعدين في شكل كامل. تسربت الخطط واكتشفوا أنهم مراقبون. يبدو أن كل ذلك دفعهم إلى التعجيل بالتحرك قبل الموعد المخطط له». وتابع الضابط السابق أنهم «هونوا من شأن قدرة أردوغان على حشد الجماهير وندائه لأنصاره بالخروج إلى الشوارع في إسطنبولوأنقرة وغيرها، على رغم ظهور الدبابات في الشوارع وتحليق الطائرات الحربية في السماء». وقال أردوغان خلال محاولة الانقلاب إن المتمردين حاولوا الاعتداء عليه في مدينة مرمريس، وقصفوا أماكن بعدما غادرها بفترة قصيرة. وأوضحت قناة «سي إن إن ترك» أن حوالى 25 جندياً هبطوا من طائرات هليكوبتر بالحبال على فندق في «مرمريس» عقب مغادرة اردوغان في ما بدا أنها محاولة للقبض عليه. وأظهرت مواقع تتبع حركة الطائرات انطلاق طائرة من طراز «غلف ستريم» من النوع الذي تمتلكه الحكومة التركية من مطار «دالامان»، على بعد ساعة وربع الساعة بالسيارة من مرمريس (حوالى الساعة 11:40 مساءً بتوقيت غرينتش الجمعة)، لافتة إلى أن الطائرة ظلت تدور في مسار تحليق ثابت جنوبإسطنبول قبل أن تهبط في نهاية الأمر. وهز دوي الانفجارات والنيران مدينتي إسطنبول وأنقره مساء الجمعة الماضي، بعدما أطلق فصيل القوات المسلحة المتمرد النار على مقر جهاز الاستخبارات التركية وعلى البرلمان في العاصمة، في محاولة استيلاء على السلطة. وخلال المحاولة أرغم الانقلابيون تلفزيون الدولة على قراءة بيان يعلن حظر التجول في جميع أنحاء البلاد. لكن المحاولة انهارت بعدما تصدت القوات الموالية لأردوغان للمتمردين وظهور الزعيم التركي بنفسه على شاشة قناة «سي ان ان ترك» في مكالمة هاتفية بالفيديو، ليحض مؤيديه على الخروج إلى الشوارع لدعمه. واحتجز رئيس هيئة أركان القوات المسلحة خلوصي أكار رهينة في القاعدة، لكنه أُنقذ في نهاية الأمر. وقال ثلاثة مسؤولين كبار في أنقرة إن قائد سلاح الجو حتى العام الماضي أكين أوزترك وأحد أعضاء المجلس العسكري الأعلى، أرفع مؤسسات الإشراف على القوات المسلحة، هما من المخططين الرئيسيين للانقلاب. وكان أوزترك واحداً من آلاف العسكريين الذين تم اعتقالهم وظهرت صورهم أمس وهم مقيدون في مقر قيادة الشرطة في أنقرة. وأوضح المسؤولون الثلاثة أنه من المعتقد أن المخطط الثاني وراء محاولة الانقلاب هو محرم كوسا المستشار القانوني السابق لرئيس هيئة الأركان. وقال أحدهم إن قراراً صدر بعزل كوسا من منصبه في آذار (مارس) بسبب سوء السلوك، لكن لم يتم تسريحه من القوات المسلحة، مشيراً إلى أنه اختفى ولا يعرف شيء عن مكانه في الوقت الحالي. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه «كانت هناك استعدادات جادة تجري منذ فترة طويلة جداً. يبدو أن الشخصين المعنيين كانا العقل المدبر وراء المحاولة الانقلابية». وقال الباحث الزائر في مؤسسة «كارنيغي أوروبا» والديبلوماسي التركي السابق سنان أولجين إن «الانقلابيين كانوا يمتلكون مجموعة غير كافية من الموارد. كانت الأدوات المتاحة لهم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية أقل كثيراً من اللازم. من المؤكد أنه كانت هناك درجة من عدم الكفاءة بالمقارنة بالطريقة التي نفذت بها الانقلابات هنا في الماضي». وحاول الانقلابيون خلال الأحداث إسكات قناة «سي.ان.ان» التركية وأرغموا العاملين فيها على إخلاء استديواتها. وعندما عادت القناة إلى بث برامجها وصفت المذيعة نفسين مينجو الجنود بأنهم صغار «وليس في عيونهم سوى الخوف وما من علامة على الإخلاص أو العزيمة». ويتهم أردوغان والحكومة أنصار غولن منذ فترة طويلة بمحاولة إقامة «هيكل موازٍ» داخل المحاكم والشرطة والقوات المسلحة والإعلام بهدف الاستيلاء على السلطة وهو اتهام ينفيه غولن. وكانت علاقة أردوغان الذي تمتد جذوره في الحركة السياسية الإسلامية بالجيش صعبة على الدوام، إذ ترى القوات المسلحة منذ وقت بعيد أنها حامية العلمانية في تركيا، إذ نفذت انقلابات ثلاثة أطاحت فيها بحكومات وأرغمت حكومة رابعة بقيادة التيار الإسلامي على ترك السلطة في النصف الثاني من القرن العشرين. وشهدت محاكمات لمؤامرات انقلابية سجن مئات من الضباط خلال الفترة التي شغل فيها أردوغان منصب رئيس الوزراء، إذ استخدمت الحكومة ساحات القضاء لتقليم أظافر القوات المسلحة. واتضح في ما بعد أن هذه الاتهامات شابتها عيوب وحكم القضاء بإلغاء أحكام بالإدانة، غير أن هذه التصرفات ألحقت الضرر بالروح المعنوية وغذت مشاعر الاستياء. ومع ذلك يبدو أن الانقلابيين بالغوا في تقدير ما سيلقونه من تأييد في صفوف القوات المسلحة.