قدّمت وزارة الخارجية الأميركية منحة بقيمة 1,5 مليون دولار لمؤسسة «غلوبل إنترنت فريدوم كونسورتيوم» Global Internet Freedom Consortium التي تعنى بالدفاع عن الحريات العامة والشخصية على شكبة الانترنت. وانطلاقاً من هذه المنحة «السخيّة»، التي تحمل الكثير من المتناقضات، استوحى الكاتب الأميركي يفغيني موروزوف مقالاً عن الحرية على الانترنت وسكب نصّه في قالب اللسان الشخصي مع محاكاة طريقة الكتابة الساخرة التي اتّبعها الكاتب لوري مورفي في قصة قصيرة ومشهورة بعنوان «كيف تصبح كاتباً». ويعبّر هذا النص عن جزء من نقاش أميركي (وغربي) ساخن عن القضايا المرتبطة بقضايا الحرية والحق في الوصول الى المعلومات، وكذلك الحق في حماية الخصوصية الشخصية، في عصر الشبكات الرقمية ومواقعها. وعلى رغم خفوت النقاش عربياً عن هذه الأمور، يقدم النص أفكاراً مهمة لمن يرغب في تحويل قضية الحرية على الانترنت الى خيط أساسي في نسيج النقاش العام عربياً. عليك أولاً أن تشعر بالقلق فعلاً بالنسبة إلى الإنترنت. إذن، أُشعر بالقلق الشبكي. تعمّق بذلك الإحساس. أحِط نفسك بعلماء وسائط اجتماعيين لا يعلمون شيئاً عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، لكنّهم مزوّدون بعددٍ لا يُحصى من الأصدقاء الذين يتابعونهم باستمرار عبر موقع النصوص القصيرة «تويتر» Twitter. حاول إقناع العالم بأن شركات التكنولوجيا الأميركية تمثّل بالنسبة إليك السفراء الجدد للحُلم الأميركي، وأن هدفها السامي يتجسّد في نشر الحرية والديموقراطية عالمياً. لا تذكر أشياء مثل النفط، والعراق، ونائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني. أرسل المدراء التنفيذيين لشركات المعلوماتية الأميركية إلى سيبيريا كي يمارسوا لعبة ال «بير بونغ» المحلية المشهورة، مع المواطنين. لا تتجرأ على ذكر كيفية استغلال هذه الشركات الحرية والخصوصية في المنزل، على مواقعها الإلكترونية الخاصة. استخدم بعض العبارات الطنانة الفارغة والطموحة التي قد تجعل نظرياتك السخيفة مقنعةً بعض الشيء. مثلاً، حاول اقتباس عبارات من كتاب مثل «فن الحكم للقرن ال 21». لا تكترث إلا للتكهنات الساذجة والمشكوك في أمرها، كي تتقن فن تزييف «مشاكل الإنترنت» التي تواجهها. إسعَ لنثر مجموعة من التشبيهات التي تقارن تلك المشاكل بحوادث من التاريخ. ليس مهماً صحة المقارنة وسياقها. استعمل التشبيهات المتصلة بحوادث تاريخية قريبة، وكلما كانت أقرب زمنياً، كان أمرها أفضل. لا تنس أن تُسيء قراءة تلك الحوادث، كي تصبح مطواعة لأسلوبك، وكي تستطيع تأكيد فرضياتك. افترض أن العالم لم يتغيّر منذ عام 1989. مثلاً، تذكّر قصّة «جدار برلين» وقارنها مع «الجدار الناري» المستخدم في برامج مكافحة الفيروسات الإلكترونية، ثم استخدم التشبيه لمصلحتك. تموّن بالاستعارات المُضَلّلة التي تعتمد على عبارات ترطن بلغة «إنترنت...» و «رقمي...». تزوّد ببعض الدراسات الطموحة والمؤتمرات البارزة للعثور على المزيد من الارتباطات غير الواقعية. لا تنس أن تُطلِق مسابقة للمِنح! أفكار سامة أعِد اكتشاف الأفكار السامة المختبئة خلف رطانة الحرية الثقافية، ثم اعد جمعها ضمن الأسماء المشهورة في أوساط الحركات الشبابية. أُعثر على مجموعة مدوّنين إلكترونيين فاقدي الأمل الى حدّ أنهم مستعدّون لاستجداء المال حتى من دولة فاشستية قاسية تختارها لهم. ستكون أنت المستفيد الأوّل في حال كان هذا العدد الهائل من المدوّنين المنشقين الذين اخترتهم بنفسك، غير معروفين بتاتاً بالنسبة لأي شخصٍ يعيش في بلدهم! حينها، ينفتح لك المجال لاستخدامهم ك «ماركات مُسجّلة» في حربك البطولية التي تشنّها للدفاع عن الإنترنت! دع هؤلاء المدوّنين يعدّون مقابلاتٍ مع رؤساء الولاياتالمتحدة. وإذا زاروا بلاد العم سام، احرص على أن يلتقوا بمجموعة من المحافظين الجُدد المتطرّفين والمُصمّمين على الترويج لتغيير النظام في مواطن هؤلاء المدوّنين الإلكترونيين المميّزين والمنشقين. فكّر في أساليب تضمن لهم اللجوء السياسي، فقد يحتاجون لذلك من دون أدنى شك بعد لقاء كل تلك النجوم البارزة. ولا تنس أن تضمّن كلامك اسم ساخاروف عند التعريف عنهم لوسائل الإعلام. بقول آخر، بإمكانك ان تقدمهم كنُسخ اخرى من ساخاروف، وعلى طريقة الكومبيوتر، يكون ذلك مثل «ساخاروف 2». كلما نشرت الكثير من عصير «كذا 2» يكون أفضل. على هذه الشاكلة، تستطيع ابتداع عبارات من نوع «ساميزدات 2» و «غلاسنوست 2» و «سوليدارنوسك 2» وغيرها. وبوجهٍ عام، تساعد العبارات التي تبدو سلافية وتنتهي ب 2، على دعم قضيتك، فلك ان تستخدمها في شكل متكرّر، مع ضرورة التنبّه الى طريقة اللفظ! الصين في بحر التقنية قابل مجموعة من مهندسي الكومبيوتر الصنيين الغرباء والذين لا يزالون أيضاً محتارين في شأن «مشاكل الإنترنت» ولكنّهم مقتنعين بقدرتهم على حلّها من خلال تقدّم تقنيات الكومبيوتر. لا تسأل عن قابلية تطبيق هذه المقاربات: هؤلاء التقنيون ملمّون بذلك. احرص على أن تساعد الحلول التي يقدموها في القضاء على النوع الخطأ من المشاكل، وأن يفتقر إلى الشفافية، وأن يقنع الجميع في طهران وبيجينغ بحاجتهم إلى مضاعفة معدل اعتقال المدوّنين الإلكترونيين. تحقّق من أن حماسة مهندسي الكومبيوتر هؤلاء لأحداث عام 1989 وساحة تيانانمين تساوي حماستك، ولو لأسبابٍ مختلفة. تأكد من أنّ لديهم بعض الانتماءات السياسية أو الدينية الغريبة التي تجعل من شراكتهم غايةً في الغرابة وبمثابة انتحار جغرافي وسياسي. تلاعب بفكرة إعطائهم المال، ولكن قرّر خلاف ذلك. قم بإغضابهم وإغضاب أقاربهم في مقاطعة كاليفورنيا. قم بزيارة مؤسسات الفكر والرأي العادية بحثاً عن المحافظين المسنين الذين يشعرون بالحنين إلى السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي ريغان. ابدأ بإخبارهم عن مدى تقديرك للدور (غير الموجود) الذي اضطلعوا به على صعيد إنهاء الاتحاد السوفييتي من خلال تهريب مجموعة من آلات التصوير الضوئي «زيروكس». استخدم لغتك البولندية والهنغارية البدائية. امسك بأيديهم. اضرب سلاماً لتمثال ريغان النصفي الموجود على طاولتهم. استمرّ في تعريفهم على المدوّنات الإلكترونية والمقالات الصغيرة على «تويتر» ومواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فايس بوك». شاهد وجههم يضيء عندما يدركون الانعكاسات الكاملة لما تقول. فاجئهم بإعلانك عودة الحرب الباردة رسمياً إلى واشنطن! ذكّرهم بالعودة إلى مكتباتهم الخاصة، مع إمكان إبراز المقالات المعارضة الحماسية وغير القابلة للنشر التي كتبوها في عام 1987، والمرتبطة بتهديم الجدران وغير ذلك. اجعلهم يضيفون «إنترنت...» إلى كل «جدار» في المقالات المعارضة، وانصحهم بإعادة تقديمها إلى صفحة الآراء في صحيفة «وول ستريت جورنال». أظهر أنك تفاجأت عند اكتشاف أن المقطعين الأخيرين من مقالاتهم المعارضة تتّهمك بعدم تقديم الدعم الكافي للمقالات الصغيرة الثورية على «تويتر» الآتية من طهران. افقد السيطرة على الجدال الناشئ والبالغ الخطورة حول مسألة الإنترنت المفضلة لديك. أقنع الجميع بأنّك تستخدم الإنترنت لتنظيم المعارضات الناشئة على أثر الانتخابات في إيران. وفي حال فشل ذلك، اتصل بالمسؤولين التنفيذيين ل «تويتر»، وسرّب تواصلك معهم إلى صحيفة «نيويورك تايمز». استمرّ في إبلاغ الجميع أنّ «تويتر» هو السبب في ظهور هذه المعارضات. لا تبذل جهداً لتثقيف الناس، خصوصاً مجالس التحرير والسياسيين، حول الخطر الأحمق وغير المناسب والكامل على صعيد التعامل مع التكهنات البسيطة جداً حول حرية الإنترنت. وفي المقابل، جمّع هذه التكهّنات بنفسك بعدائية، ثم ارفع صوت أغاني الحرب الباردة المفضلة لديك. إحلم ببعض العبارات مثل «ستارة المعلومات.» ودع الجميع يتصوّر الأشياء التي يعنيها ذلك. أذهل الجميع من خلال لائحة مراجع دورية عن نجاح التكنولوجيا في إعادة بناء هايتي وإدارة الانتخابات في السودان. استفد من التسبب بالحيرة، فهكذا تكسب الوقت. استمر في لقاء مهندسي الكومبيوتر الغرباء. لا تفضح أية ادعاءات مبالغ في أمرها (التي لا يمكن التحقّق منها) عن نجاح التكنولوجيا في تعزيز «ثورة تويتر» في إيران. وبعد ذلك، أطلع الجميع على مدى اهتمامك بحرية الإنترنت. انتظر حتى يبدو رفضك دعم مهندسي الكومبيوتر الصينيين زائفاً ولا يتلاءم مع فن الخطابة المبالغ فيه لديك. وبعدها، حرّر شيكاً بقيمة 1.5 مليون دولار. أعطه لمؤسسة تهتم جدياً بالدفاع عن الحريات على الانترنت. ثم... إبدأ من جديد!