لم تعد أبعاد مشكلة البطالة المتفشية في صفوف الشباب الأردنيين المتعلمين تقتصر عليهم وعلى ذويهم فقط، بخاصة بعد ان تحول اعتراضهم على ظروفهم المعيشية الى اشتباك مباشر مع الأمن. وبدأ اللهيب يطاول المجتمع الأردني كله ويشكل هماً ضاغطاً على الأجهزة الأمنية المتحفزة التي أعلنت حال طوارئ منذ بداية رمضان، ولكن ايضاً على المواطنين العاديين الذين باتوا يخافون الانفجار الداخلي والتهديد الخارجي في آن واحد والمتثمل بتنظيم «داعش» الارهابي. وعلى رغم ان مشكلة البطالة قديمة حديثة بالنسبة الى الدولة الأردنية، الا ان سخونة المنطقة الملتهبة بالحروب الاهلية والفوضى، اعطت هذه المشكلة ابعاداً امنية خطيرة، وأجبرت الدولة على ان تعالج اعراضها بأسلوب امني، كانت تنأى دائماً عن استخدامه، الا في الحالات القصوى التي تشهد اعمال تخريب، وهو ما حدث مرات قليلة ومعدودة. بيد ان مشكلة الشباب العاطلين من العمل في بلدة ذيبان التابعة لمحافظة مادبا (40 كلم جنوب العاصمة عمان)، تختلف هذه المرة عن التظاهرات والاعتصامات التي نظمها محتجون شباب على مدى السنوات الخمس الماضية سواء في الأردن ام خارجه. فالظروف الدولية والإقليمية المحيطة بالمملكة تغيرت، واكتسبت حساسية داخلية مفرطة لأي مظاهر اخلال بالأمن والنظام العام. والواقع ان خيمة اعتصام الشبان التي استمرت 58 يوماً في شكل سلمي, لم تلق آذاناً صاغية ولم يلتفت احد اليها في شكل جدي الى ان تحولت الى شغب، لم تستطع الدولة احتماله، فلجأت الى استخدام القوة في ازالة الخيمة وتفريق الشبان، بخاصة انها ما زالت جريحة للتو من عمليتين ارهابيتين لتنظيم «داعش» وقعتا خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان. واستهدفت العملية الأولى مبنى للمخابرات العامة في منطقة البقعة بالقرب من عمان، وأسفرت عن استشهاد 5 جنود، والأخرى موقعاً عسكرياً متقدماً لخدمة اللاجئين السوريين في منطقة الركبان على الحدود الشماليةالشرقية للمملكة مع سورية، وأسفرت عن استشهاد 8 جنود وإصابة 13 آخرين. ولكن هذه الظروف المختلطة من الحال الإقليمية والفقر وتفريق الاعتصام بالقوة، دفعت الشباب المحتجين والعاطلين من العمل الى مغامرة غير محسوبة بالتحول من الاعتصام السلمي الى العنف وأعمال الشغب والتجمهر غير المشروع، ما دفع بالأجهزة الى اعتبارهم خطراً على المجتمع خصوصاً بعدما استمروا أربعة أيام بإغلاق الطرق بالإطارات وإطلاق الرصاص على رجال الشرطة، متسببين بإصابة ثلاثة منهم. هذه الحوادث ولّدت احتقاناً شعبياً واسعاً في البلدة التي اوقف 23 من ابنائها، وكادت تتحول حال الفوضى أكبر، لولا تدخل بعض العقلاء وإبداء الحكومة نوعاً من الارتخاء بتلبية مطالب الشباب ومحاولة ايجاد فرص عمل لهم في القطاع الخاص في عمان وإطلاق سراح الموقوفين. وعلى رغم ان جميع المتعطلين من العمل في البلدة لا يتجاوز عددهم 23 شاباً، اغلبهم من حملة الشهادات الجامعية ومضى على تخرج بعضهم اكثر من 10 سنوات، الا ان الحكومة بقيت تصر على عدم قدرتها على استيعابهم في الوظائف الحكومية التي تخضع الى «دور مبني على الأقدمية والكفاءة». ولكن هناك ايضاً الخشية من ان يعمد بقية العاطلين من العمل وأصحاب المطالب الى تحقيق هدفهم بالطريقة نفسها، وإجبار الحكومة على توظيفهم تحت الضغط، خصوصاً ان اكثر من محافظة أردنية لديها حراك شبابي من المتعطلين من العمل الذين اقاموا فعاليات احتجاجية في السابق للمطالبة بوظائف. وقدّرت منظمة العمل الدولية ارتفاع معدل البطالة في الأردن بنسبة 30 في المئة حتى نهاية العام الماضي، فيما أكدت مصادر وزارة العمل أن هذه النسبة تشمل فئة الشباب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، بينما تبلغ نسبة البطالة الفعلية لكل الفئات نحو 11.8 في المئة فقط. وأشارت المنظمة في تقريرها الأخير الى ان معدل البطالة في الأردن «يزيد على معدل البطالة في الشرق الأوسط البالغ 27 في المئة تقريباً». وحمّل التقرير أسباب الارتفاع إلى «انعدام الوظائف بسبب قلة المشاريع الجديدة التي تُعد نَتَاجًا للوضع الاقتصادي في المملكة، اضافة الى النظام التعليمي في الأردن الذي لا يتوافق مع متطلبات السوق، وافتقار الباحثين عن العمل من خريجي التعليم العالي للمهارات اللازمة». وترى وزارة العمل الأردنية إن هذه النسبة «عادة ما تصل الى 30 في المئة وفقاً لإحصاءات وتقارير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية»، لافتة إلى أن وضع الأردن في هذه القضية يقع «ضمن النمط الطبيعي والمعدل العام».