شهدت مونتريال في إطار «مهرجان ترانس اميريك» احتفالية مسرحية راقصة للمصمم الفرنسي جيروم بل، ضمت 15 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 4 و80 سنة، قدموا عرضاً راقصاً فريداً شكلاً ومضموناً. فمعظمهم لم يمارس الرقص في حياته، ما عدا خمسة راقصين محترفين بيهنم اثنان من راقصي الباليه في مونتريال وواحد متخصص في تصميم الأزياء. يعلو باحة المسرح إعلان كبير إيذاناً ببدء العرض. وما هي سوى لحظات حتى اعتلى الراقصون حلبة المسرح واستهلوا أداءهم، في حركة غريبة بالدوران وراء بعضهم البعض أربع مرات، وقدّموا رقصات سريعة غير مألوفة. إلا أنها مؤثرة ومفعمة بالمشاعر العاطفية والإنسانية. وفجأة تخرح من الحلقة امرأة شابة، في رجليها جوربان ملونان ومزدانان بخيوط فضية، وتنتصب وقوفاً في وسط المسرح، ويأتي بعدها اثنان آخران، ويتبعهم مترجمون فوريون من مختلف الأعراق والثقافات واللغات، يرتدون ألبسة مزركشة لماعة، ويلحق بهم صبي وفتاة وامرأة ورجل مسن وشاب منغولي مصاب بمتلازمة «داون»، وسيدة معوّقة تجلس على كرسي متحرك. يبدأ الجميع في عملية رقص دائري فوضوي متحرر من اية ضوابط فنية وعلى إيقاعات موسيقية صاخبة يختلط فيها الكلاسيك والفلولكلور والبوب على شكل كتالوغ فني. وفي غمرة انشغالهم برقصات تبدو عبثية، لم يبالوا بصيحات الإعجاب والفرح التي يطلقها الجمهور، بل ظلوا جادين في متابعة عرضهم وأدوارهم التي لا تخلو من التصنع والهزل. وهي على عفويتها وبساطتها وتنوعها وعدم تجانسها تشكل لوحة فنية قلما تشهد مسارح الرقص لها مثيلاً. ومع انتهاء مشهد الباليه، تبدأ رقصة الفالس أزواجاً أزواجاً على شكل قوالب بشرية متفاوتة، معوقين وطبيعيين، هواة ومحترفين وعلى مستويات متباينة في البراعة والأداء. وجميعهم يتمايلون ويتحركون في كل الاتجاهات، وبين الفينة والفينة يتصفحون وجوه الجمهور كأنهم يستطلعون رأيه وإعجابه في كل ما يقومون به. وفجأة يطفَأ الضوء، ويسود القاعة والمسرح صمت لثلاث دقائق وتتوالى بعدها المشاهد الختامية التي يتناوب على أدائها طفل صغير يصول ويجول على خشبة المسرح يرقص ويضحك ويثرثر، ويليه مشهد آخر يتبادل فيه الراقصون ثيابهم ويصطفون جنباً الى جنب، ويستنسخ الواحد منهم دور الآخر برقصة هزلية على وقع اغنية شائعة في الشمال الاميركي: «نيويورك... نيويورك... مونتريال... مونتريال...». ومهما يكن من غرابة المشهد المسرحي الراقص، يرى الناقد الفني آلان فوشيه أن «المزيج البشري غير المتجانس في المسرحية، ينم عن تصميم خلاق على رغم خروجه عن اي بروتوكول فني محدد». اما الناقدة الفنية في جريدة «لو دوفوار» نايلة نوفل (من أصل لبناني) فتثني على قدرة المصمم الفرنسي جيروم بل الذي «جمع فئات متناقضة اجتماعياً وثقافياً وعرقياً وصبها في قالب فني جمع محترفين وهواة، وذوي الاحتياجات الخاصة والمعوقين مع الأصحاء، والأطفال والكبار والنساء والرجال»، لافتة الى انها لا تخلو رغم بساطتها من إيحاءات ومضامين فكرية وسياسية وايديولوجية ومن مساحة واسعة من حرية التعبير.