أحيت مونتريال «مهرجان التانغو العالمي» بتقديم استعراضات راقصة أمام حوالى خمسة آلاف شخص من محبي هذا الفن الذي يتزايد الإقبال عليه سنة بعد سنة، ما جعل مونتريال المدينة الرابعة في احتضان مهرجان للتانغو بعد بوينس ايرس وبرلين وأمستردام. وفي الأصل، تعتبر رقصة التانغو من الفنون الشعبية الأميركية - اللاتينية ومنبتها التاريخي مدينة بوينس آيرس الأرجنتينية، ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر وتلقحت منذ ذلك الحين بألوان وإيقاعات موسيقية أوروبية وأميركية - لاتينية وإفريقية، وتعرضت في تطورها إلى مراحل صعود وركود إلى أن استعادت مكانتها الفنية، لا سيما على خشبات المسارح وفي المهرجانات العالمية، كما خصصت لها مدارس وبات لها محترفون وهواة وعشاق من الجنسين ومن مختلف الأعمار. وفي مسرح فسيح، بإضاءة خافتة وأجواء رومانسية تغمره، توزع راقصو التانغو في أرجاء القاعة في ثنائيات. بينهم محترفون يضربون الأرض بنقلات أقدامهم الرشيقة، على وقع موسيقى حالمة وقوية في آن، بخفة وانسيابية لا تخلو من «الحزم» الذي تعرف به الرقصة، وبخطوات سريعة واثقة تتقاطع فيها السيقان وتنزلق في نهاياتها الأجساد. أما الهواة والمعجبون من الحضور، فلم يحل افتقارهم إلى التجربة واللياقة البدنية الراقصة من دون مشاركتهم التي غلب عليها طابع الإرتجال والعفوية والحماسة، ما زاد أجواء التانغو في القاعة بهجة وإثارة. ويرى جيرارد فانسي، المدير الفني للمهرجان، أن أكثر ما يجذب عيون المشاهدين إلى رقصات التانغو، على اختلاف أنماطها وإيقاعاتها الموسيقية هو «أناقة الراقصين وليونة أجسادهم وجاذبية المرأة المفعمة بالمشاعر المرهفة والانفعالات العاطفية، مقابل حضور قوي للرجل وتناغم عميق بين تناقضاتهما». وتعتبر رقصة التانغو، في نظر العديد من النقاد الفنيين، أكثر من مجرد رقصة أو موسيقى خاصة بشعب أو منطقة معينة، إنما هي جزء من تراث فني ثقافي إنساني. ولهذا الاعتبار تقدمت الأرجنتين والأورغواي من الأونيسكو بطلب الحفاظ على التانغو وحماية هذا الفن من خطر الانقراض والزوال، فاعترفت به المنظمة الدولية عام 2009 «جزءاً من التراث الإنساني غير الملموس في العالم، وموروثاً من جيل عن جيل يساهم في تشكيل هوية الجماعة ويجسد التنوع والحوار الثقافي».