على رغم أن القانون المصري يتشدد في منح تراخيص السلاح للمواطنين، إلا أن أنواعاً شتى من الأسلحة النارية تنتشر في يد مواطنين من دون تراخيص، حتى أن سائق شركة «المقاولون العرب» محمود طه سويلم الذي نفّذ قبل أيام مجزرة راح ضحيتها 6 من زملائه لم يجد أي صعوبة في الحصول على سلاح آلي اشتراه من رجل شرطة، بحسب ما ورد في أقواله خلال تحقيقات النيابة. ولا توجد إحصاءات محددة عن كمية السلاح غير الشرعي في مصر وإن كانت وزارة الداخلية تضبط ما يزيد على 15 ألف قطعة سلاح سنوياً غالبيتها في محافظات الصعيد (جنوب مصر) بسبب انتشار عادة الثأر وتباهي العائلات في قرى الصعيد بما تحوزه من سلاح وقدرتها على إخفائه عن أعين وزارة الداخلية. المثير في الأمر أن بعض الأسر يعتبر حيازة السلاح ضرورة، فقد يقترض فلاح لشراء سلاح آلي وأرضه في حاجة إلى محراث. وتوجد محلات في مصر مصرّح لها ببيع الأسلحة، لكن هذا البيع الشرعي يتم فقط لمن يحوز رخصة سلاح، أما السلاح غير الشرعي فسوقه «السوداء» رائجة أيضاً، فالحروب التي شهدتها مصر في العقود الأخيرة خلّفت مصابين وشهداء «ومخازن سلاح» وجدت سبيلها إلى تجّار السلاح الذين لم يكتفوا بما تختزنه الصحراء لكنهم باتوا يهرّبونه من الخارج عبر دروب صحراوية وعرة لا يعلم خفاياها إلا بعض المهربين. ويحظّر قانون الأسلحة والذخائر المصري حيازة سلاح بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه، غير أن القانون يجيز لفئات محددة حمل السلاح من غير ترخيص وهم الوزراء الحاليون والسابقون والمحافظون والضباط من الرتب العليا وكبار موظفي الدولة والاستخبارات وأعضاء البرلمان. وعلى رغم أن القانون المصري ينصّ على أنه «لا يجوز التصريح بالاتجار في الأسلحة وذخائرها أو إصلاحها في القرى»، إلا أن بعض القرى خصوصاً في الصعيد تُعتبر من أكثر مناطق انتشار الأسلحة النارية. ويقول محمد جمال (25 سنة) الذي يقطن إحدى قرى محافظة 6 أكتوبر إن حيازة السلاح من ثقافة أهل القرية «ولا حاجة للحصول على ترخيص»، مشيراً إلى أن التراخيص الرسمية تقتصر غالباً على المسدسات بأنواعها المختلفة، لكن الأهالي يحوزون أيضاً أسلحة آلية يصعب الحصول على ترخيص بها. ويضيف: «هذه الأسلحة تُعد قنبلة موقوتة في حال نشوب مشاجرة بين عائلتين في القرية. فعلى رغم صعوبة إخفائها، إلا أنها سرعان ما تخرج من مخازنها لتزيد الأمور تعقيداً (...) يصعب على أجهزة الأمن السيطرة على القرية حين تنشب مشاجرة بالأسلحة النارية، وكثيراً ما يسقط قتلى لندخل في دائرة مفرغة من الثأر». ويوضح أن أهالي القرية يلجأون إلى دفن هذه الأسلحة إما في منازلهم أو حقولهم وفي أماكن لا يعرفها سوى أفراد الدائرة المقربة جداً من الأهل. ويقول جمال إن الفلاح المصري متمرس في التعامل مع السلاح فهناك من يجيد تنظيف السلاح كأنه من العسكريين وفي الأفراح والمناسبات تتباهى العائلات بما تحوزه من أسلحة ويتنافس الجميع ويتبارون في قدرات التعامل مع السلاح. ويؤكد أن أجهزة الأمن تعلم بانتشار الأسلحة بين الأهالي «لأنه عند حصول أي نزاع تطلب الأجهزة الأمنية من أطرافه تسليم قطع الأسلحة التي استخدمت في الشجار». من جانبه، يرى وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق اللواء فؤاد علام أن فوضى انتشار السلاح في مصر مثل «فوضى الإعلام والفوضى الإدارية». ويوضح أن هذه الأسلحة غير الشرعية يتم الحصول عليها إما من خلال مخلّفات الحروب أو التهريب من الخارج أو سرقتها من مخازن الأسلحة التابعة للدولة. ويعتبر أن المشكلة الحقيقية تتمثل «في ما يحدث في المجتمع من تمزّق وعنف اجتماعي يمكن أن يؤدي خلال شهور قليلة إلى حروب أهلية». ويضيف أن «فقدان الثقة في الدولة وسلطتها دفع المواطن إلى حمل السلاح»، لكنه يرى أن الأهم من حيازة السلاح هو ظاهرة «العنف الاجتماعي التي تولّد تمزّقاً اجتماعياً لأن السلاح موجود منذ قديم الأزل، غير أن الخطورة في أن المواطن أصبح يتعامل كأنه في غابة». وشدد علام على أن السلاح غير الشرعي مهما زاد إلا أن كميته تظل محدودة، محذراً من أن انتشار العنف الاجتماعي يمكن أن يسبب حروباً أهلية يصعب تدارك آثارها والسيطرة عليها. في غضون ذلك، قرر قاضي المعارضات في محكمة جنوبالجيزة تجديد حبس محمود طه سويلم، سائق حافلة شركة «المقاولون العرب» الذي أطلق النار على زملاء له في الشركة فقتل 6 وأصاب 6 آخرين، وذلك لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي تجرى معه بمعرفة نيابة جنوبالجيزة الكلية. وقال المتهم إنه لم يكن يقصد أن يتسبب في وقوع الحادث وإحداث هذا الكم من الإصابات والقتلى بين صفوف زملائه، مشيراً إلى أنه كان ينوي فقط قتل زميل له يدعى عبدالفتاح، غير أن الطلقات خرجت بصورة عشوائية ولم يتمكن من السيطرة على نفسه أو على عملية إطلاق النار. وكان فريق من النيابة أجرى معاينة تصويرية لموقع الحادث في وجود المتهم الذي قام بتمثيل كيفية ارتكابه الجريمة وإطلاقه النيران، من خلال وضع مجموعة من الأشخاص في مقاعد الحافلة وإعطاء المتهم سلاحاً آلياً مما يباع كلعب للأطفال كنموذج يشبه السلاح الآلي الذي كان في حوزته واستخدمه في الجريمة. وقدم المتهم تصويراً وشرحاً تفصيلياً لكيفية ارتكابه الجريمة، منذ سحبه السلاح وحقيبة الذخيرة الحية من أسفل مقعده، وإطلاقه الأعيرة النارية بصورة عشوائية تجاه مستقلي الحافلة، والتقدم خطوات عدة نحو منتصف الحافلة وإعادته الكرة مرة أخرى بإطلاق النيران مجدداً صوب زملائه مستقلي الحافلة. وينتظر إحالة المتهم على المحاكمة الجنائية العاجلة عقب موافقة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود.