يعتبر المخرج المغربي مومن السميحي (مواليد 1945) واحداً من أبرز مؤسسي السينما الجادة وذات المضمون، في المغرب... ما يجعله في صف واحد مع زملاء مجايلين له من السينمائيين العرب، من أمثال يسري نصرالله ومحمد ملص وفريد بوغدير. أما مكانة أفلامه، على قلة عددها، فلا تقل عن مكانة أفلام مثل «مرسيدس» و «شرفات صيفية» و «أحلام المدينة» و «صفائح من ذهب». ومن أبرز أفلام السميحي «الشرقي» و «أسطورة الليل» و «العايل». كما ان له فيلماً من المؤسف أنه لم ينل حظه من الانتشار، على أهمية، كونه يسجل نقطة لصالح التقارب الفني بين بلدين عربيين كبيرين مصر والمغرب، ونعني به «سيدة القاهرة». والحقيقة أن تحقيق السميحي لهذا الفيلم قبل نحو عقدين من الزمن، في مصر وحول موضوع مصري لم يكن صدفة... فهذا المخرج الذي لا يكف عن التصريح بأنه، قبل دراسته السينما في باريس، كان قد اغتذى من السينما والثقافة المصريتين، يعتبر الارتباط الروحي والفني بالقاهرة أمراً حاسماً في حياته العملية والنظرية. ولما كان السميحي كاتباً، الى كونه سينمائياً... نلاحظ أنه في كتاباته النظرية، التي أصدرها حتى الآن في أكثر من خمسة كتب، كثيراً ما دنا من السينما المصرية خصوصاً، والعربية عموماً، باحثاً ناقداً متسائلاً متأملاً... أما ذروة هذا الاهتمام ففي كتابه الأخير الذي صدر في طنجة بعنوان «في السينما العربية». يقع هذا الكتاب في نحو 140 صفحة من القطع المتوسط وهو يضم ثلاث دراسات أساسية: («السينما العربية في مصر»، «السينما في المغرب العربي» و... «السينما العربية فقط لا غير»)، اضافة الى ملحق عنوانه «... واليوم». وإذا كان أسلوب التأمل، على طريقة روبير بريسون في كتابه الشهير «ملاحظات حول السينماتوغراف» (الذي ترجمه العماني عبدالله حبيب الى العربية قبل سنوات وأصدره في دمشق)، هو الذي يطغى على كتابات السميحي العميقة والجزلة، فإن الملحق يبدو في هذا الإطار أشبه بفعل إيمان يعود فيه بعد عشرين سنة من بدء تساؤلاته الى ملاحظة ما آلت اليه الأوضاع التي طاولتها تلك الملاحظات. وهو يقول في هذا الملحق: «كتبت هذه الخواطر في السينما المصرية وأنا أتردد بين الحيرة واليأس والأمل والدمع المر والإحباط أيام كنت أحضر بالقاهرة في 1990 إنتاج وإخراج فيلم «سيدة القاهرة» وأنا أنتظر المكالمات التليفونية من المنتج والممثل والتقني والموزع انتظاراً طويلاً مقلقاً مرهقاً. وكنت أقاوم هذه الحالة النفسية بالحرص على القراءة ومشاهدة الأفلام. والكتابة بانتظام يومياً». «كتبت هذه الملاحظات وأنا إنما أتيت الى القاهرة لأنتج وأخرج فيلماً اقتناعاً مني وإيماناً بالسينما العربية وأنا أناضل وأجهر بحلمي بها كلما أتيحت لي الفرصة بذلك في ندوة أو مهرجان أو استجواب صحافي». واليوم؟ عشرون سنة من بعد ما كتبت هذه التساؤلات فإن التغييرات التي ألاحظها هي تغييرات كمية وسلبية أكثرها ذات قيمة ايجابية وهي في سطور: تفاقم عدد القنوات التلفزيونية وهيمنة الفضائيات وطغيان البرامج الساقطة، تشويه وبتر الأفلام بالقنوات المدعية الاختصاص بالسينما والحشو الإشهاري المستمر الاستفزازي البشع، احتضار ثم موت القاعات السينمائية أمام الملأ واللامبالاة، انفجار عدد المهرجانات ذات الهوية التهريجية المحضة، تقلص انتاج بعض البلاد العربية كالجزائر وتطور انتاج بعضها الأخرى كالمغرب وتونس، والكم دائماً هو المهيمن على الساحة والعمل القيم والجيد نادر نادر (تحية الى المخرج الجزائري الشاب طارق التقية وفيلمه «روما ولا أنتم»)، وانتاج فيلم عربي لدخول السوق العالمية مستحيل اليوم كما كان مستحيلاً بالأمس، بيد أن تقريباً كل سنة ومنذ سنين عدة يعرض هنا أو هناك الفيلم الانكليزي الشهير «الأرنس» وهو فيلم عن العرب بمنظور غربي ولا يوجد الى يومنا هذا طرق الموضوع نفسه بمنظور عربي، وأخيراً هيمنة إغراءات السوق والشباك فلم تعد السينما السوقية تنحصر في مصر بل هي تغزو الآن المغرب وتونس، وهي ظاهرة تكتسح كذلك ما يمكن نعته بسينما المهجر وهي بعيدة كل البعد من أدب المهجر إذ لا تهتم إلا بالشباك الأوروبي أو الأميركي». «وتلخيصاً فالسينما العربية اليوم تهتم بالكم أكثر مما تفكر في القيمة والقيم، وهي استهلاكية أكثر مما هي منتجة، وكل هذا والعالم على أبواب الثورة السمعية البصرية الجديدة ألا وهي ثورة الرقمي». «كتبت هذه الخواطر والملاحظات والمساءلات عشرين سنة مضت وكنت آنذاك كما أنا اليوم أحس وأعتقد وأعي أنني ما كنت أكتب إلا عن نفسي كما كان طه حسين يكتب عن نفسه ويكتب عن المتنبي» وهو يقول: «اني أبعد الناس عن حسن الرأي فيما أمليت. ولا تظن أني أريد اصطناع التواضع. أو أن أغض من هذا الجهد الذي أنفقته حين كان ينبغي أن أستريح. وانما أريد أن ألاحظ أن هذا الكتاب ان صور شيئاً فهو خليق أن يصورني أنا في بعض لحظات الحياة أكثر مما يصور المتنبي. وانه لمن الغرور أن يقرأ أحدنا شعر الشاعر أو نثر الناثر، حتى إذا امتلأت نفسه بما قرأ أو بالعواطف أو الخواطر التي يثيرها فيها ما قرأ، فأملى هذا أو سجله في كتاب، ظن أنه صور الشاعر كما كان، أو درسه كما ينبغي أن يدرس، على حين أنه لم يصور إلا نفسه، ولم يعرض على الناس إلا ما اضطرب فيها من الخواطر والآراء».