في عام 2001 بعد استلام بشار الاسد السلطة وتركه ذلك الهامش الموقت والضيق للمعارضة لعقد جلسات علنية في مقاهي دمشق وحلب كان من المألوف أن تجد كردياً محاطاً بمعارضين عرب سوريين إخوان مسلمين وناصريين وقوميين سوريين. وليس مصادفة نادرة أن تسمعه يحاول إثبات نظرياته حول اصل الكرد وأنهم ليسوا ربيعة او بكراً أو خزاعة حين يصل للفقرة التي يثبت فيها أن وجودهم في سورية قديم وأصيل وأن كردستان حلم طفولي كردي لا يستطيع ملامسة الحدود الدنيا للواقعية السياسية. يهز المجتمعون رؤوسهم موافقةً ويصرح ناصري بالتوافق مع قومي سوري بأنهما ينويان مشاركة إخوتهم الكرد السوريين عيد النوروز فيعدل الكردي جلسته مكافئاً نفسه بإنجازه السياسي. في جامعة حلب شباب عرب يلتقون للمرة الأولي بكائنهم الكردي «المهضوم» يعزف ألحاناً مطربة من بزقه ويحدثهم عن تاريخ إمبراطورية ميديا ثم يصغي لتصويباتهم بأن التاريخ يقول إن الميديين والآشور والكلدان كلهم عرب، ليتوه الجميع بحديث طويل لا يعرف له رأس من جسم، عن قِدم العرب والمصريين وأن إسرائيل كيان دخيل علي المنطقة ولا يفسد خلاف الآراء للود قضية، فتأكيدات الكردي أنه سوري أولاً قبل أن يكون كردياً يهدئ من روع الجميع في المفاصل الحساسة للحديث. ليلة 20 آذار ( مارس) أمسية الجنون الكردي... قوي الأمن مستنفرة في مدن الحدود السورية التركية وفي الأحياء الكردية الحلبية، شبان وشابات عرب معارضون للنظام يشاركون كردهم ليلة العصيان المدني. شعارات قومية كردية تنسف حدود أربع دول دفعة واحدة. هذا ليس تصرفاً وطنياً يقول مشارك عربي فيسكته زميله منبهراً بروعة حشد لا يقل عن عشرة آلاف متظاهر يتحدون نظاماً مرعباً كالنظام السوري ... لا بأس إذاً ببعض الفوضي الشعاراتية فالأدرينالين بلغ أقصي مستوياته. ربيع عام 2011 الثورة السورية تهز البلاد طولاً وعرضاً ورهان كبير للمعارضة علي الكرد الوطنيين الذين يعارضون النظام بالفطرة ويحشدون عشرين ألفاً خلال خمس دقائق. التقسيم متناغمة مع الدستور البلاد البعثي الذي ألغي كل ما هو غير عربي، فالعربي هو من عاش علي أرضٍ عربية أو تكلم اللغة العربية، قسمت المعارضة كرد البلاد لكرد وطنيين شرفاء لا هم ولا مطالب مرعبة لهم، سيسقطون النظام في دمشق ثم يركبون الباصات ليعودوا الى القامشلي وستكافئهم سورية الثورة ببضع مدارس كردية ونصف ساعة يومياً علي الإذاعة الوطنية تبث أغاني الدبكة الشيخانية لينصرف الجميع لبناء الوطن وتحرير القدس، فهؤلاء أحفاد صلاح الدين الكردي المولد العربي الهوي. وهناك كردٌ آخرون غير «شرفاء» غالباً مرتبطون بأجندات خارجية متآمرة علي عروبة سورية يريدون اقتطاع جزء من التراب السوري ليلحقوه بدولة أخري لكن هؤلاء أقلية منبوذة بين الكرد «الشرفاء». شيء ما حدث ضرب الكثرة الكردية اللطيفة فجأة، أصبحوا أقلية، وصوت كردي مختلف عما اعتادته المعارضة يصبح أعلي فأعلي، تباين في الأهواء العربية والكردية يفرض طابعه ويُفاجئ المعارضة أن الكرد مترددون جداً بدعم تنظيم القاعدة (جبهة النصرة) وأن فكرة دولة إسلامية علي انقاض سورية الأسد تخيفهم جداً. علي الجانب الآخر تعامل النظام بذكاء أكبر مع «أكراده» لم يطلق النار علي تظاهراتهم المطالبة بإسقاطه وانسحب بهدوء من مناطقهم وأعاد الجنسية السورية للمحرومين منها ليترك أمور إدارة تلك المناطق لحزب «ب ي د» الذي أغلقت تركيا كل القنوات الممكنة بينه وبين المعارضة، مع تحرير كوباني من تنظيم «داعش» سُجلت الهزيمة الأولي للتنظيم في سورية وسُجل التدخل الدولي الأول أيضاً، لكن لمصلحة المشروع الكردي «الإستقلالي» بعيداً من متاهات المعارضة وتشكيلاتها العسكرية الإسلامية. تتقدم قوات «ب ي د» نحو تل أبيض وأيضاً بدعم دولي كثيف تحررها من تنظيم «داعش». ويُسجل في تاريخ ممتد لعهد الإمارة الأيوبية أول امتداد كردي نحو مدينة ذات غالبية عربية، حتي تلك اللحظة لم تتعامل المعارضة بسرعة ومهارة مع عهدٍ كردي جديد اختفي فيه الكردي الذي يشرح أصوله القومية وانتماءه الوطني السوري ويكتفي بحلقة دبكة علنية. إنه الآن يتحدث ببساطة عن حدود إقليمه الفيديرالي في سورية وربما دولته الكردستانية. خسرت المعارضة كردها الضعفاء ولم تهضم كرداً أقوياء يطالبونها بحلول مقتضبة وواضحة لقضيتهم، فإما فيديرالية حدود إقليمهم القومي فيها واضحة أو إنفصال جغرافي يقضم شمال خريطة سورية البعث والعروبة. مع التقدم المستمر للقوات الكردية وتوسع هياكل السلطة المدنية الكردية بدت المعارضة عاجزة عن التعامل مع تحولٍ زلزالي كهذا. وليزداد تعبيرها عنه تشنجاً من قبيل تصريح اسعد الزعبي عضو وفد الإئتلاف في محادثات جنيڤ بأن علي الكرد أن يرحلوا إلي القوقاز حيث ينتمون. يقابله الشارع الكردي بمزيد من الإنغلاق والنكوص للقبيلة الكردية التي كانت غالباً في حالة صراع مع العرب جيرانها الجنوبيين، من دون أن يتمكن من تطويع قوته الجديدة لخدمة قضيته الكردية والمستوي الجديد الذي انتقلت إليه عسكرياً، ليبقي التراشق الإعلامي سيد الموقف يضخ كل يوم تعابير عنصرية جديدة تحَكمها نشوة الكرد الأقوياء وحنين عربي سوري الى كردهم الضعفاء.