[... لا بد ان نناقش كل صاحب فكر في القاعدة التي ينطلق منها، وفي الخطوط المتفرعة من هذه القاعدة. وهذا لا يقتصر على الذي يعلن إسلامه بل حتى الكافر لا بد لنا ان لا نقمعه. إذ إننا نعتقد ان قتل الكافر ليس من جهة كفره، بل من جهة حربه، ونقول لا نريد قتل الكافر بل قتل كفره. إلا إذا حارب، وعند ذلك فإن المحارب يقتل حتى لو كان مسلما...] العنوان الأصلي للمقابلة: "حوار مع السيد محمد حسين فضل الله: هناك فارق بين المنهج الإسلامي الأصيل وبين ما يفهمه بعض الإسلاميين" أجراها حسن المصطفى نُشرت في "الحياة" 22 أذار (مارس) 2001 * أدناه مقتطفات ذات صلة بالراحل نصر حامد أبو زيد أكد السيد محمد حسين فضل الله في حوار جرى معه في المدينةالمنورة خلال ادائه فريضة الحج، ان الاسلام «يتعايش مع الآخر ولا يطرده» لأن الدين يتقبل الخلاف في اعتبار ان الحوار هو الوسيلة الوحيدة الى الوصول للمسائل الحاسمة. وانتقد تيار «الاسلاميين المحدثين» لأنهم يخلطون بين مصطلحات الغرب و«مصطلحاتنا». فهذا التيار يستجدي «المصطلحات الغربية» ليثبت للغرب «اننا معاصرون واننا لا نختلف عنهم». ودعا السيد فضل الى انسنة «الأرض والسياسة» ورفض استخدام كلمة «انسنة الاسلام» لأن الاسلام «انساني في ذاته وفي تشريعاته». وهنا نص الحوار: - ما هي العلاقة الرابطة بين الإسلام والدوغمائية؟ وهل جوهر الإسلام قائم على الآحادية الطاردة لكل ثنائية وتعددية؟ * عندما ندرس الإسلام نجده الدين الذي يتعايش مع الآخر ولا يطرده حتى لو كان يختلف معه، وهذا ما لاحظناه في التشريع الإسلامي الذي أقر أهل الكتاب، وهم الآخر الذي كان يعيش بين المسلمين. وهذا ظهر أثره في الواقع الذي عاشته المنطقة الإسلامية، فها نحن نجد أهل الكتاب يعيشون بشكل جيد ومتوازن مع المسلمين، بينما نجد العكس في التجربة التاريخية لأهل الكتاب مع المسلمين في إسبانيا إذ لم يبق هناك مسلم عندما انتصر الآخرون على المسلمين. وهكذا نجد الإسلام لا يرفض الآخر عندما يتبنى فكرا غير كتابي، فإن الإسلام يفتح له المجال لأن يقدم كل فكره للمواقع الثقافية الإسلامية ليحاور الآخر من دون ان يقمعه. - إن هذا الحوار الذي يتم مع الآخر غير الإسلامي، نراه ينحسر ويضيق مع الآخر الإسلامي، ففي كثير من الحالات التي يراد فيها قراءة النص الديني من جهة إسلامية أخرى لا تنتظم في السلك الديني التقليدي تجابه هذه المحاولات بالرفض الشديد. فهل الأنا الإسلامية ضيقة إلى هذا الحد لترفض الآخر الذي هو في الأساس جزء منها؟ * إن المسألة ليست مسألة الفكر الإسلامي في أصالته، لكنها مسألة تخلف المسلمين، على أساس أن هناك حقاً وباطلاً وأنه لا بد أن يقمع الباطل سواء كان باطلا في الجزئيات أو في الخطوط العامة. بينما نجد ان المنهج الإسلامي يؤكد على إفساح المجال للآخر في الدائرة الإسلامية للدخول في الجدال والنقاش، وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة «وإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول» فالآية تتحدث عن الخلافات في المجتمع الإسلامي وأن على هذا المجتمع ان يتقبل الخلاف وأن تكون الوسيلة الوحيدة للوصول للمسائل الحاسمة هي الحوار على أساس القواعد الإسلامية المشتركة. - يلاحظ أن المسألة مختلفة تماما على أرض الواقع، إذ نجد الإسلام يتحرك كقوة طاردة لا جاذبة. ومثال على ذلك ان كثيرا من الإسلاميين ضاقوا ذرعا بكتابات المرحوم علي شريعتي ونصر حامد أبو زيد، ووصل الحال ببعضهم للتصفية الجسدية للراحل فرج فوده. - هناك فارق بين المنهج الإسلامي الأصيل مما جاءت به النصوص في الكتاب والسنة، وبين ما يفهمه بعض الإسلاميين منه وهو شيء آخر. إن مثل هؤلاء الذين يعلنون أنهم ما زالوا مسلمين فإنه ليس لنا ان نضطهدهم بالطريقة القمعية والتكفيرية، حتى لو أنهم أنكروا شيئا نعتبره من ضروريات الدين. لأن الفقهاء ونحن نوافقهم على ذلك، يقولون إن إنكار الضروري من الدين إنما يؤدي الى الفكر لأنه يوحي بتكذيب الرسول. لكن هذا إنما يكون فيما إذا فرضنا ان المنكر كان ملتفتا الى الملازمة بين إنكار الضروري وبين تكذيب الرسول، أما إذا لم يكن ملتفتا للملازمة، أو لم ير لشبهة معينة ان هذا من ضروريات الدين كأن يرى أن الذين اعتبروه ضروريا كانوا مخطئين، فإننا لا نستطيع تكفيره. لأن الكفر عبارة عن إنكار الأسس العقدية، وما عدا ذلك فهو أمر قابل للاجتهاد. إن مسألة التكفير من المسائل الخطرة في حياة المسلمين. وفي الرواية عن الإمام جعفر الصادق أنه لا يعتبر الشك كفرا، حين سأله أحد أصحابه عن رجل شك في الله قال كافر، وشك في رسول الله قال كافر، ثم قال إنما يكفر إذا جحد. فالكفر هو الجحود، أما إذا كنت في موقع الشك وأنت تسعى من خلال هذا الشك إلى الوصول لدرجة اليقين فأنت لست بكافر. - هناك رأي يتبناه عبدالهادي الفضلي، مؤداه أنه حتى من كان صريح عبارته الكفر، فإنه حتى مثل هذا الرأي لا نستطيع ان نكفر قائله، لأنه توصل لهذا الرأي عن طريق منهج علمي اعتقده صحيحا في رأيه. فهو لم يصل لهذه النتيجة عن سوء نية أو قصد، وإنما نتيجة إيمانه بمنهج قد لا نوافقه عليه، ويكون مشتبها فيه، والحدود تدرأ بالشبهات. فما رأيكم في ذلك؟ * إنني أناقش العلامة الفضلي في أن ما ذكره قد يندرج في مسألة كونه معذورا أو غير معذور في فكره. وأن هناك فارقا بين من يتعمد الفكر وبين من يجتهد كفرا، ونحن نقول إنه لا فارق بينهما إلا في الجانب النفسي السلبي في هذا المقام أو ذاك. ولذا فنحن نعتبر ان الاعتقاد بأن الوحي حال إلهامية يلغي مسألة الوحي ويلغي النبوة لأن النبي عند ذلك يتحول لإنسان بشري فائق التفكير والوعي الداخلي بحيث يستلهم من نبع صاف. وهذا يؤدي الى إنكار النبوة، التي إذا أنكرت بمعناها الديني المرتبط بالله فماذا يبقى في الإسلام... - لكن هل كلامكم هذا ينسحب حتى على الأشخاص الذين يعلنون إسلامهم؟ * المسألة هي كيف يفهم هؤلاء الإسلام، فعندما تلغى النبوة أو يحاول تفسيرها كحال بشرية تنطلق من نفس النبي وتجاربه بعيدا عن الله كما يقول ميشال عفلق من أن الإسلام هو وليد آلام العروبة، وكأنه لا يعتقد بأن الإسلام وليد الوحي، وأن النبي تلقاه ويهضمه ويعيشه وليس مجرد ساعي بريد. لذلك علينا عند دراسة الكفر والإيمان ان نؤصل مفرداتهما. - ألا ترون انه من الأجدى بدلا من أن تطلق فتاوى التكفير من هنا وهناك ان يناقش هؤلاء في منهجهم ويبين لهم مواضع الخلل فيه؟ * هناك نقطتان في هذا المجال. أولا: وهي نقطة أساسية وحقيقية، وهي اننا لا بد ان نناقش كل صاحب فكر في القاعدة التي ينطلق منها، وفي الخطوط المتفرعة من هذه القاعدة. وهذا لا يقتصر على الذي يعلن إسلامه بل حتى الكافر لا بد لنا ان لا نقمعه. إذ إننا نعتقد ان قتل الكافر ليس من جهة كفره، بل من جهة حربه، ونقول لا نريد قتل الكافر بل قتل كفره. إلا إذا حارب، وعند ذلك فإن المحارب يقتل حتى لو كان مسلما. ثانيا: إن القائمين على شؤون الإسلام ربما يفكرون بأنه يجب عليهم ان يعلنوا كفر هذا أو ذاك إذا تمت لدينا عناصر الحكم بكفره، حتى لا يترك تأثيره السلبي على الذهنية الإسلامية العامة كشخص إسلامي مفكر، بحيث يكون فكره فكرا إسلاميا لأن ذلك قد يؤدي لاختلاط المفاهيم وانحراف الذهنية الإسلامية من خلال فقدان المناعة. لكن ذلك من وجهة نظرنا مع إيجابياته تنبغي ممارسته بحذر تام. فليس من الضروري أن يحدث كما حدث مع نصر حامد أبو زيد بأن يعلن التفريق بينه وبين زوجته لأن هذا - بقطع النظر عن التفاصيل والحيثيات - يجعل الشخص المستهدف شهيد فكر أمام الناس لأنه يرتبط بالجانب الإنساني، في أن تفرق بين زوج وزوجته مع انهما يحبان بعضهما البعض ويقتنعان بأنهما باقيان على الإسلام. ولا سيما في الظروف الإعلامية والثقافية الموجودة في العالم التي تتخذ من هذه الأساليب العنيفة ذريعة لانتقاد الإسلام واتهامه بأنه ضد حرية الفكر. كما ان هذا الشخص سيقدم كبطل من ابطال حرية الفكر، ما يجعله يمتد في فكره الذي أردنا له ان يحاصر بهذه الطريقة لينتشر في كل العالم. إنني أعتقد اننا عندما ندرس الواقع المعاصر الذي نعيشه في امتداد الجانب الإعلامي وسيطرة قوى الفكر، فإننا علينا ان نمنح الفكر حريته لأنه سيقدم بشكل تلقائي طبيعي لا يثير الانتباه، بينما إذا حاصرنا الفكر فإنه سينتشر تماما كما هي النار في الهشيم.