كل الأطراف في الشرق الاوسط يجمع علناً على استبعاد حرب وشيكة. وكلهم يعلن انه لا يريد هذه الحرب. لا بل، يفسر كل منهم الحديث عن الحرب في اطار الضغوط السياسية التي يمارسها العدو. وكلهم يجمع، في الوقت ذاته، على الاستعداد الذاتي لخوض هذه الحرب في حال حصولها. وبالفعل، تشهد المنطقة من اسرائيل الى ايران وتيرة متزايدة من المناورات العسكرية تحاكي الحرب المقبلة. وكل طرف يتدرب وفق تصوره لمجريات هذه الحرب. اسرائيل تدرب قواتها على الأشكال المختلفة للعمليات البرية والبحرية والجوية، من جنوب لبنان مروراً بسورية وصولاً الى ايران. وكذلك تعّد سكانها لاحتمالات التعرض لهجمات صاروخية ولأسلحة غير تقليدية. وهي تعتبر ان خوض مثل هذه الحرب أمر حيوي بالنسبة اليها، ما دامت تعتبر ان التهديد الأمني المباشر يأتي من جبهتها الشمالية، ممثلة بقوات «حزب الله» وربما القوات السورية، في حين ان التهديد الاستراتيجي يأتي من ايران التي تتهمها بالسعي الى قنبلة نووية. وايران من جهتها، ومعها «حزب الله»، تعتبر ان المواجهة العسكرية حاصلة نظراً الى عدم الاعتراف بها كقوة كبرى وبالحقوق والمصالح التي تنطوي على مثل هذا الموقع. وجبهة القتال بالنسبة اليها ستمتد على امتداد مصادر الخطر، سواء من القوات الغربية المرابطة في منطقة الخليج أو من القوات الاسرائيلية التي قد تشارك في المواجهة، ما يعني ان الجبهة الشمالية لاسرائيل، أي لبنان وجنوبه خصوصاً، ستكون مسرحاً أكيداً للمواجهة في حال حصولها. يذكر ان جنوب لبنان لا يزال، بحسب القرار الدولي الرقم 1701، يحكمه وقف العمليات الحربية بين اسرائيل و»حزب الله»، وليس وقف النار. ما يعني ان هذه الجبهة هدأت نسبياً بفعل وجود القوات الدولية المعززة في الجنوب (يونيفيل)، وليس بفعل انتفاء اسباب القتال التي ستزداد مع ازدياد التوتر على الجبهة الايرانية. وفي هذا الإطار، تحصل ما يسمى بالإشكالات بين دوريات «يونيفيل» و»الأهالي» في جنوب لبنان. ولا تبدو مقنعة التبريرات التي تطلق في لبنان لتفسير هذه الإشكالات باعتبار ان «الأهالي» يأخذون على القوات الدولية عدم تقيدها بالقرار 1701 الذي يحدد مهمتها، او ان «الاهالي» يشتبهون بأن هذه القوات ترغب في تغيير قواعد الاشتباك، في إطار خطة لتسهيل العدوان على لبنان. لا بل ان الارجح ان هؤلاء «الأهالي» يتحركون وفق تعليمات من «حزب الله» المهيمن في الجنوب، إن لم يكن عناصره في مقدم المحتجين من الأهالي. وبالتالي تقع هذه الإشكالات في إطار الاستعدادات والمناورات، تحسباً للحرب، خصوصاً أن المهمة الأساسية لهذه القوات هي منع الوجود المسلح لغير القوات الشرعية اللبنانية. وليس بفعل ما يعتبر تعديات على سكان القرى أو خروج القوات الدولية عن مهمتها. وقد شعرت الأممالمتحدة منذ فترة بخطورة هذه الإشكالات التي لاحظ ممثلها في لبنان مايكل وليامس ان «بعضها منظم»، في اشارة مهذبة الى «حزب الله». كما لفت التقرير الفصلي للأمين العام للمنظمة الدولية الى «ان أي حسابات خاطئة من أي طرف قد تقود الى معاودة العمليات الحربية، مع ما قد يعني ذلك من نتائج مدمرة على لبنان والمنطقة». وهنا يطرح التساؤل الاساسي عن انضمام الدولة اللبنانية، بمؤسساتها كافة، الى الدفاع عن نظرية مسؤولية «يونيفيل» عن الإشكالات، وصولاً الى تنديد بعض المسؤولين بالقوات الدولية. قد تكون السلطة اللبنانية مجبرة على تبرير كل ما يقوم به «حزب الله» بفعل الأمر الواقع والخضوع الى حسابات سياسية محلية تتعلق بالتأثيرات الاقليمية المتزايدة، خصوصاً الايرانية - السورية، في ظل اختلال ميزان القوى الداخلي لمصلحة الحزب. لكن القوات الدولية غير معنية بهذه الحسابات، وتالياً تجد نفسها أداة في صراع كبير. في الوقت الذي تشكلت وانتشرت، بقرار دولي وموافقة لبنانية بالإجماع، من أجل وضع حد للعدوان الاسرائيلي في تموز (يوليو) 2006، وللحد من مضاعفاته. ويطاول التساؤل ايضاً مصلحة لبنان، وهو عضو في مجلس الأمن، في ازدياد التوتر مع القوات الدولية التي أرسلت اصلاً من أجل حماية الأراضي اللبنانية وتقوية سيادة الدولة عليها ومصلحته من مواجهة سياسية مع الدول التي تساهم في «يونيفيل»، وهي ترى جنودها عرضة لتهديد مستمر، مع ما قد يستتبع ذلك من مضاعفات لن تكون بالتأكيد في مصلحة تنفيذ القرار 1701. والتساؤل ايضاً يطاول موقف لبنان من هذا القرار وهل ما زال قادراً على المطالبة بتطبيقه بكل بنوده، أو ان الالتباس الذي يحيط بقرارات دولية سابقة في شأن لبنان بات ينسحب على القرار 1701. وهل لا تزال الدولة اللبنانية تعترف بهذا القرار؟