تبنت مصر قبل أكثر من عامين علناً سياسة تنويع مصادر تسليح جيشها، فعقدت صفقات تسليح كبرى مع روسياوفرنسا خصوصاً، وصفقات غير مُعلنة تفاصيلها مع الصين، إضافة إلى تعاونها التقليدي مع الولاياتالمتحدة. ورغم الإعلانات المتوالية عن دخول طرازات جديدة من الأسلحة إلى الخدمة في الأفرع المختلفة للجيش، إلا أن تسلم القاهرة حاملة المروحيات الفرنسية «ميسترال» أول من أمس بدا النقلة الأبرز في الاستراتيجية العسكرية لأكبر جيش عربي. وتعاقدت مصر مع فرنسا لامتلاك حاملتي مروحيات من طراز «ميسترال» بعد اتفاق كانت روسيا طرفاً رئيساً فيه، إذ صنعت فرنسا الحاملتين لمصلحة روسيا، لكن العقوبات الغربية على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية حالت دون إتمام عملية التسليم. ودخلت مصر على خط الاتصالات الروسية- الفرنسية في هذا الصدد، وحدث توافق على إتمام الصفقة لمصلحة مصر، من دون إعلان تفاصيل الاتفاق الثلاثي. واحتفى الجيش وقوى سياسية بامتلاك القاهرة أول حاملة مروحيات تنضم إلى سلاح البحرية. وقال الجيش إن الخطوة «تُعد إضافة جديدة إلى منظومة التسليح للقوات المسلحة المصرية لتعزز من قدراتها في مواجهة التحديات والعدائيات». والسفينة الحربية «ميسترال» تحتوي على مركز عمليات متكامل ولها القدرة على تحميل المروحيات والدبابات والمركبات والأفراد المقاتلين بمعداتهم مع وجود سطح طيران مجهز لاستقبال الطائرات ليلاً ونهاراً، إضافة إلى تزويدها بأجهزة استشعار واتصالات حديثة. وأُجريت مراسم الاستقبال بعد أيام من إعلان وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي «الانتهاء من رفع كفاءة وتطوير كل الفرق والتشكيلات التكتيكية داخل القوات المسلحة، وجاهزيتها جميعاً لتنفيذ أي مهام، بعد تطوير تسليح القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي». وأبرمت مصر صفقات تسليح كبرى في العامين الجاري والماضي، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2015 وقعت مع فرنسا عقد شراء حاملتي المروحيات وتسلمت إحداهما أول من أمس، فيما تتسلم الثانية في أيلول (سبتمبر) المقبل. كما وقعت مع فرنسا في شباط (فبراير) 2015 صفقة شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز «رافال» تسلمت 6 منها، إضافة إلى فرقاطتين مقاتلتين من طراز «فريم». ورغم أن واشنطن علقت جزءاً من المساعدات العسكرية للقاهرة التي تقدر ب1.3 بليون دولار في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 رداً على عزل الرئيس السابق محمد مرسي، إلا أن هذا التعليق انتهى تدرجياً. وتسلمت القاهرة في كانون الأول (ديسمبر) 2014 عشر مروحيات من طراز «اباتشي»، وفي آب (أغسطس) الماضي تسلمت 8 طائرات مقاتلة من طراز «أف 16 - بلوك 52»، كما تسلمت 19 برجاً لدبابات «أبرامز أم 1 إيه1» التي تُنتج في القاهرة بتعاون مصري- أميركي مشترك. ورأى خبراء عسكريون أن صفقة «ميسترال» تعد الأبرز بين تلك الصفقات، إذ تُظهر «نقلة نوعية في الاستراتيجية العسكرية، لجهة توسيع مسرح العمليات العسكرية المُحتمل للجيش المصري». وظهر هذا التحول في حديث قائد القوات البحرية الفريق أسامة ربيع عن أن تملك بلاده حاملة المروحيات الجديدة إضافة إلى «القدرات البحرية العربية»، وتأكيده أن حاملة الطائرات «موجودة لتنفذ مهام خارج حدود مصر». وقال ل «الحياة» مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء محمد الغباري، إن «ميسترال لن تُستخدم من السواحل المصرية قطعاً، فالهدف الأساس من دخولها الخدمة في الجيش منح القوات مدى أكبر في العمليات العسكرية». وأضاف أن «الأمن القومي المصري مُهدد من السواحل والأمن الاقتصادي لمياهنا يحتاج حماية. رسمنا الحدود البحرية مع اليونان وبالتالي أضفنا 125 كيلومتراً إلى مياهنا، وأصبح عمق المياه الاقتصادية يصل إلى نحو 200 كيلومتر، تحتاج إلى نوع من الحماية، ومن ثم كان لا بد من امتلاك هذا النوع من السلاح». وأوضح أن «الحاملة الأولى ستتمركز في مياه البحر المتوسط، وسترسو الثانية على الأرجح في البحر الأحمر». وأوضح أن «شواطئنا باتت مهددة من جماعات الإرهاب التي بات لها امتداد إقليمي، وتتنقل بين الدول بمختلف السبل ومنها الانتقال عبر الشواطئ... يجب أن تكون لمصر القدرة على الوصول إلى باب المندب في حال التهديدات لمجابهتها في شكل سريع، وهذا لا يتحقق إلا بامتلاك تلك الطرازات من الأسلحة». وقال إن «امتلاك الحاملتين هو إعلان بتوسيع مسرح العمليات العسكرية المحتملة. حين توضع الاستراتيجية العسكرية يتم في البداية تحديد دوائر الحرب المحتملة، وبعدها يتم توفير السلاح والمعدات القادرة على تغطية تلك الدوائر، وامتلاك ميسترال إعلان بأن التقديرات العسكرية تبنت توسيع مسرح الحرب المحتمل».