روقوا يا شباب! الدول تتجسس على بعضها، خصوصاً اذا كانت بينها حالات عداء، مثل الحالة القائمة بين لبنان وإسرائيل. لذلك استغرب ان يكون بين مسؤولينا من يرى ان قيام اسرائيل بتجنيد عملاء لها في لبنان هو «عمل عدواني خطير»! أليس هذا ما يُفترض ان تقوم بها عدوتنا اسرائيل؟ أوليس مفترضاً فينا في المقابل ان نسعى اذا استطعنا الى تجنيد عملاء لنا داخل صفوف العدو ايضاً؟ منذ ايام كشفت اسرائيل عن شبكة من فلسطينيي 1948، بينهم ضابط في الجيش، كانت تتجسس لحساب «حزب الله»، بحسب الاتهامات الاسرائيلية، ويقال انها قدمت الى الحزب معلومات امنية مهمة تتعلق بحجم وعديد القوات الاسرائيلية على الحدود مع لبنان، باعتبار ان هذا الضابط الدرزي كان يعمل في قيادة الجبهة الشمالية. ماذا حصل في اسرائيل؟ احيل الضابط الى المحكمة العسكرية بتهمة الخيانة و «الاتصال مع عميل اجنبي»، وأُحيل اعضاء الشبكة المدنيون الخمسة الى محكمة مدنية في عكا. ولم يخرج اي صوت في اسرائيل يستهجن قيام «حزب الله» بتجنيد عملاء له في اسرائيل، واعتبار ذلك عملاً معادياً، لأنهم يعرفون في اسرائيل ان هذا الحزب تنظيم معادٍ لهم، وأن من الطبيعي ان يقوم بالتجسس عليهم كلما استطاع ذلك. هذا بين الأعداء، لكن التجسس عمل تقوم به الدول على كل حال بحكم مسؤولياتها الطبيعية عن حماية أمنها، حتى لو كانت العلاقات في ما بينها علاقات اكثر من طبيعية. هناك اجهزة رسمية للاستخبارات الخارجية لها موازناتها الخاصة التي تنفق منها على هذه النشاطات. عملاء اسرائيل يتجسسون على الولاياتالمتحدة، حاميتهم وراعيتهم. عملاء جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية (أس في أر) الذي خلف ال «كا جي بي» اعتقل منهم عشرة هذا الاسبوع في الولاياتالمتحدة، بتهمة محاولة السعي للحصول على معلومات عن الاسلحة النووية الاميركية وعن سياسة واشنطن حيال ايران وطريقة عمل الاستخبارات الاميركية، وهذا بين دولتين تقيمان اليوم علاقات تعاون جيدة في اكثر من مجال، بعدما اقفلتا صفحات الحرب الباردة. قام الاميركيون بملاحقة هؤلاء الجواسيس باعتبارهم «عملاء غير قانونيين لحكومة خارجية». لكنهم لم يعتبروا الامر استثنائياً أو مدهشاً، والأرجح ان استخباراتهم تفعل الشيء نفسه في موسكو، وإن لم يكن قد اعتقل اي من عملائها بعد. في لبنان تحولت مسألة اعتقال شربل قزي، الموظف في شركة «ألفا» للاتصالات، الى همروجة سياسية وفرصة لعرض العضلات الوطنية في الصحف وعلى الفضائيات، وعلى ألسنة خبراء ظهروا فجأة على الشاشات، ليكشفوا لنا وللمشاهدين المساكين معلوماتهم عن مخاطر التجسس على شبكات الهاتف الخليوي على الامن القومي وانكشاف لبنان بنتيجة ذلك امام العدو. ايها السادة. رحمة بعقولنا. هذا بلد مكشوف منذ اليوم الذي ولد فيه. اسراره السياسية والعسكرية في الصالونات وعلى صفحات الصحف. من تجنّد فيه للتجسس مقابل المال يعتبر «ذكياً»، لأن الاكثرية تقوم بذلك مجاناً. والسبب ان مشاعر الولاء الوطني التي تردع المواطن عادة عن ارتكاب الخيانة تحتاج في وطننا (هذه المشاعر) الى جرعات كثيفة من المنشّطات لإنعاشها. نقول هذا ليس من باب الدفاع عن اي عميل او متهم بالتجسس، ولكن لنقول ان الساحة مكشوفة، وان البحث يجب أن يجري عن ألف «ألفا» في اكثر من مكان ولدى اكثر من جهة. فالتجسس بحسب تعريف الكلمة يعني نقل اي معلومة تتعلق بالامن الوطني وبأسرار البلد الى اي كان، خارج حدود الوطن. لو طبّقنا هذا الوصف على ما يقوم به كثيرون في بلدنا، ترى كم هي نسبة المواطنين العاديين الذين سيبقون خارج نطاق الملاحقة بتهمة «التجسس»؟ هل تريدون ان تقولوا لنا ان الأسرار الوحيدة التي تنكشف في بلدنا وتتسلل الى خارج الحدود هي فقط تلك التي تلتقطها هواتف شركة «ألفا»؟