حاول «المنتدى الإقليمي لإغاثة اللاجئين وإعادة إعمار سورية» الذي افتتح أعماله أمس في فندق «موفنبيك» في بيروت مقاربة أوضاع النازحين السوريين من الناحية الإنسانية والاجتماعية مع أوضاعهم في تركيا والأردن اللذين يعيشان أوضاعا مشابهة للبنان، إنما ليست مطابقة، بعيداً من العوامل والخلافات السياسية المرتبطة بالصراع الذي تشهده سورية والمنطقة. وهذه الدول تستوعب 5 ملايين لاجئ سوري. ولعل أبرز المبادرات التي حملها المنتدى تمثلت بالتعلم من التجارب لتبادل خبرات دول مركزية مالياً في وقت تشوب التعاطي الرسمي مع أزمة النزوح حال ارتباك لا ترقى إلى اعتبار النزوح أزمة وطنية كبرى بل تحمل في طياتها بازاراً سياسياً، واعتبرها البعض في لبنان مؤامرة تُحاك ضده ربما لتوطين النازحين. نقاشات المنتدى الذي افتتح تحت عنوان «الدروس المستفادة واستراتيجيات الاستجابة» كانت موجّهة بشكل خاص إلى السوق السياسية الداخلية لدحض أفكار المؤامرات والتوجّه إلى التعامل مع الأزمة، على أنها طويلة الأمد، باعتماد أجندة وطنية، على غرار تركيا والأردن، بمعزل عن الانقسام الطائفي والحزبي، خصوصاً أن نقاطاً كثيرة حول الأزمة تجمع الأفرقاء اللبنانيين أكثر ما تفرّقهم. تلك الأجندة وفق ما قال المدير التنفيذي لمؤسسة hbc أنطوان حداد ل «الحياة»، تقوم على تبني استراتيجية العودة الكريمة وتوفير الظروف لها وهذا يتطلب جهداً ديبلوماسياً منسقاً والاستيعاب الموقت للنازحين، خصوصاً فئة الشباب منهم عبر توفير التعليم المناسب واكتساب المهارات والتشغيل في القطاعات التي لا تشكل منافسة تذكر لليد العاملة اللبنانية. وكانت مناسبة لوزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أيضاً ليؤكد «أننا لسنا في حال اشتباك مع الأممالمتحدة حول بيان من هنا وتقرير من هناك فالمسألة في حقيقتها ليست من قبيل اللعب بالكلمات، لأن العتب اللبناني، بل وعتب دول الجوار أيضاً، هو على الإدارة غير المثمرة من قبل الأممالمتحدة للحوارات في كل من سورية واليمن والعجز عن اتخاذ قرار في مجلس الأمن يضع حداً لهذه الجريمة». واشتكى المشاركون اللبنانيون في المؤتمر من برودة في تنفيذ الالتزامات المادية من الدول المانحة، وأبرز الشكاوى أثارها درباس، فلبنان «أعد بالاتفاق مع المنظمات الدولية وبإشراف مباشر من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2015 L.C.R.P. التي تم تحديثها عام 2016. ونحن ملتزمون هذا التعاون، لكننا للأسف نشهد في المقابل برودة في تنفيذ الالتزامات». لم يختلف المحاورون في المنتدى على أن الاتحاد الأوروبي هو المتبرع الأول في هذا المجال، إلا أن المساعدة لا تقوم فقط، وفق ما اعتبروا، على تقاسم الأعباء وتقديم القروض، بل يجب أن تشمل فرصة تقاسم أعداد اللاجئين لمن يرغب منهم، وبأعداد فعلية تتناسب مع الحجم الديموغرافي لتلك البلدان، بحسب حداد. وهذا ما لفت إليه درباس حين قال: «يبذلون جهوداً كبيرة لاستيعاب 100 ألف سوري، لكن قرية واحدة في لبنان اسمها عرسال تستقبل هذا العدد». وبرزت في المنتدى أهمية الشراكة مع لبنان، أي العمل الجماعي لأنه الأكثر حاجة بين دول المنطقة إلى تنظيم أوضاعه ورسم سياسات وخطط وطنية واضحة وموضوعية ليكون مؤهلاً للاستفادة من إعادة إعمار سورية، خصوصاً من حيث الموقع الجغرافي والقطاع الخاص والخبرات البشرية والمؤسسات ومصارف التمويل، لكن الميزات التفاضلية وحدها لا تكفي إن لم تقترن بالجاهزية والاطلاع والمواكبة. المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ دقّت ناقوس الخطر في منطقة تجتاحها التغييرات وتشكل تحدياً كبيراً للإطار الطبيعي، وسياسة الهويات تشكل تحديات كبيرة تتمثل بالعنف، وهذه التحديات يواجهها بشكل أساسي المدنيون من الأطراف كافة. ولفتت إلى أنه تم «استثمار 1.3 بليون دولار للحفاظ على استقرار لبنان ووضع الخطط المناسبة له». وقالت: «الاستثمارات مستمرة وهي مهمة لضمان استقرار لبنان، هذا الدعم يأتي في وقت يعاني لبنان من وضع سياسي هش». وأشارت إلى كلام وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في ما يتعلق بمسألة التوطين، وقالت: « قرار التوطين والجنسية يعود للبنانيين فقط وهو من اختصاص الدولة اللبنانية». ومع أن هدف المنتدى تمثّل بالخروج باقتراحات عملية تساعد على تعزيز الخدمات الأساسية للاجئين مثل توفير المياه والكهرباء والصرف الصحي والطبابة والتعليم، اتّفق المشاركون على أن «الحل الأفضل هو إيجاد حل سياسي لإنهاء هذه المعاناة»، بمن فيهم مفوض شؤون المساعدات الإنسانية والأزمات في الاتحاد الأوروبي كريستوس ستيليانيدس الذي لفت إلى أن مساعدات الاتحاد الأوروبي للعام 2016 تمت إضافتها بنسبة 50 في المئة وازدادت على المدى الطويل بنسبة 22 في المئة. واعتبر أن «توفير التعليم للاجئين هو السلاح الأقوى لمحاربة الراديكالية».