يرحل بالسامع فن «المجسّ» ليحط به في مكانه ومحل نشأته أرض الحجاز، خصوصاً مدن الحجاز الكبرى، مكةالمكرمة والمدينة المنورةوجدة. و«المجسّ» لون تراثي عريق، يغنى من بيتين أو أربعة أو سبعة أبيات، ويكتسب «المجسّ» الحجازي إبداعه من صعوبة أدائه، فهو يبدأ من «مقام» معين، ثم يتمشى في «مقام» آخر، ليعود إلى «المقام» نفسه، ومن تلك المقامات «الصبا» و«النهاوند» و«العجم» و«البيات» و«السيك» و«الحجاز» و«الرصد»، أي الطبقة العالية، ومقام «البنجكة»، ومقام «الحراب»، وهو فرع عن الرصد. ويستخدم «المجسّ» في الإنشاد المدني والديني معاً، وارتبط أخيراً بالمناسبات الثقافية، وموالد المديح النبوي، ومناسبات الزواج وعرف طويلاً باللغة العربية التي تتزين بها ألحانه، ولربما طاوله نوع من التغيير، بحكم التطور والانفتاح على الثقافات الأخرى. وتعد مدينة جدة حاضنة «المجسّ» الأولى، خصوصاً بعد أن احتفلت الهيئة العامة للسياحة والآثار بمناسبة انضمام «جدة التاريخية» لقائمة التراث العالمي التابعة ل«اليونسكو»، وبذلك أصبحت مقصداً للسياح من أرجاء العالم كافة، إذ ارتفع صوت «المجسّ» باللغة الإنكليزية، ترحيباً بزوار جدة التاريخية، ليصل هذا الفن لكل الجنسيات وبكل اللغات. وقال رئيس فرقة «المركاز» للفنون الشعبية أنس أبوالخير ل«الحياة»: «بفضل الله قمت بالترحيب بالزوار الأجانب، بعد إعلان انضمام مدينة جدة لقائمة التراث العالمي (اليونسكو) بلغتهم الإنكليزية، وبلحن «المجسّ» الحجازي، وتم الإنشاد بدمج التراث السعودي مع اللغة الأجنبية للتعريف بأحد أهم الفنون الحجازية». وبرع «الجسيس» أبوالخير في فن «المجسّ» منذ التاسعة من عمره، وأصبح صوته المسموع طوال الوقت، ولفت أنظار معلميه وأصدقائه بقوة صوته وجودة مخارج الحروف لديه، واختار مجال هندسة الكومبيوتر، بجانب هندسته الخاصة لخامة صوته الرنانة. وأضاف: «انتشر في الآونة الأخيرة كثير من الأصوات التي تنشد «المجسّ» وأصبح في الساحة الفنية «الغث والسمين»، و«المجسّ» هو فن صعب يجب مراعاة العديد من الأمور والقواعد فيه، كالمقامات والنفَس الطويل، وقوة الصوت، والحس الفني، في اختيار الكلمات، وسرعة البديهة، والحفظ الجيد، ولا يجب أن يختل أحد هذه الركائز التي يقوم عليها «المجسّ». وجاء «المجسّ» الإنكليزي الذي أنشده أبوالخير، بحسب قوله، حاظياً باستحسان وانبهار الضيوف الأجانب خلال إنشاده له، «هي خطوة جديدة ومبتكرة، وسيتم عمل العديد من «المجسّات» باللغة الإنكليزية، للترحيب بكل الزوار غير الناطقين بالعربية من خلال هذا الفن الأصيل». وأوضح أن استحسان السامع ل«المجسّ» أحد أهم مشاهده، بعد أن يبدأ المغني إنشاده، وتتم استثارة حماسة السامعين، ويهيئهم لما سيغنيه بعد ذلك، فيطرب له السامعون ويرددون استحسانهم. واستطرد: «يختتم المنشد المجسّ بنغمة تسمى المحط، وقد يكون المغني في ذلك الوقت هو الملحن وهو المنشد، وقد يكون هو مؤلف الكلمات في بعض الأحيان.