تعيش عائلة فاطمة معاناة مؤلمة منذ أشهر طويلة، بعد تعرض ابنها البالغ من العمر 11 سنة لاعتداء جنسي تسبب له ولأفراد عائلته بصدمة بالغة دفعتهم الى نقل مكان سكنهم. وتقول فاطمة (ثلاثينية)، وهي والدة لسبعة أطفال مقيمة في قطاع غزة وقد قدمت نفسها باسم مستعار: «عاد ابني الأكبر قبل أشهر من عند البقال متأخراً، وكان يبدو عليه الاضطراب. وأبلغني أن أحد أقاربي وأحد الجيران أخذاه إلى منزل مهجور ونزعا ملابسه. ثم بدآ يتفرجان عبر الكومبيوتر المحمول على مقاطع إباحية. وقال انه حاول الهرب، لكنهما قاما بتقييده والاعتداء عليه». وعلى عكس كثيرين غيرها، أبلغت العائلة الشرطة التي اعتقلت الشابين وهما في العشرينات من العمر. وقالت المرأة «نتيجة ثغرات في القانون، خرج أحدهم لأنه لم يثبت عليه شيء، وبقي الآخر الذي اعتدى على ابني جنسياً في السجن». وطالبت القضاء ب «إعدامه كي يكون عبرة، رغم انه من أقاربي». وسرعان ما اصطدمت العائلة بنظرة المجتمع الرافضة للحديث عن موضوع محظور. وتروي فاطمة «رحلنا من المنزل، ودفعنا نقوداً كثيرة لنبتعد عن المنطقة، ولم يتبق معنا أي مال». وتضيف: «تأثرت نفسياً كأم في شكل كبير ومرضت، فتوجهت إلى مراكز العلاج النفسي أنا وابني وإخوته لأنهم كلهم تابعوا تطورات المشكلة». وتقول اسماء سعود، الاخصائية النفسية في مركز حل النزاعات «هناك عائلات تأتي الى المركز وتروي قصصها»، لكن «هذا العدد يبقى قليلاً». وتضيف سعود التي عالجت عشرات الحالات إن الإغتصاب «موجود لكنه مخبأ بسبب العادات والتقاليد»، مشيرة الى أن من أسباب هذه الظاهرة «البطالة وتوجه الشباب الى الإباحية على الانترنت والرغبة بممارسة ما يشاهدونه مع الأطفال». وعزت خوف الأهل من التوجه الى القضاء الى ارتباط هذه القضايا ب «ثقافة العار والسمعة السيئة». وطالبت ب «عقاب يشكل رادعاً قانونياً». والمجتمع في قطاع غزة محافظ اجمالاً ومتدين. وتحاصر القوات الاسرائيلية القطاع منذ فوز حركة حماس بالانتخابات في 2006. ولا يملك الغزاويون اي منفذ الى الخارج. وتقول ناديا (42 سنة) «نحن نعيش في منطقة مهمشة بغزة. إبني يعاني من إعاقة حركية. خرج يوماً كما المعتاد ينتظر الباص لنقله الى المدرسة، فنادى عليه احد المارة من سكان المنطقة وأغواه بالنقود وأخذه الى منطقة غير مأهولة واعتدى عليه جنسياً». وتضيف: «أخبرت الأخصائية النفسية في المدرسة» و «أخذته في شكل سري إلى طبيب أعرفه ففحصه». وتتابع: «انه يعاني من اضطراب نفسي، وأصبح منطوياً على نفسه ويخاف الخروج من المنزل». و «بعد الحادث، انعدم النشاط تماماً لديه وتأخر دراسياً». ولجأت العائلة الى الحل «العشائري» القاضي بمصالحة بين العائلتين، من دون ابلاغ الشرطة. ولا يزال المعتدي يقيم في الحي نفسه. ووفق دراسة صادرة عن المركز الفلسطيني لحل النزاعات، تم إحصاء أكثر من 693 حالة عنف تعرض لها أطفال في الضفة الغربيةالمحتلة وقطاع غزة خلال سنتين، وفي 75 في المئة من الحالات، كان الأطفال يعرفون هوية المعتدي عليهم. وتقول محاسن (48 سنة) إن ابنتها البالغة ست سنوات «تعرضت لاعتداء جنسي من أحد الموظفين في مدرستها» الذي رفضت الكشف عن وظيفته. وتضيف: «اخبرت عائلتي بما حدث، فاتصلت بالشرطة التي استدعت الطفلة للاستجواب». وتشير الى أن «وسطاء طالبونا بالتنازل عن القضية لأسباب إنسانية». وتضيف: «لم تنس ابنتي الحادثة التي تؤثر على نفسيتها، وأنا خائفة على مستقبلها. كيف ستمضي حياتها خائفة ومضطربة نفسياً؟». ويكشف نائب المدير العام للمركز الفلسطيني لحل النزاعات اياد أبو حجير ان بين الحالات التي وصلت الى المركز، 22 فقط طلبت التدخل القانوني، ومعظم المدعين تراجعوا عن طلبهم» في وقت لاحق. ويقول: «في الغالب، أهالي الأطفال يحاولون إنهاء الموضوع بهذه الطريقة حتى لا تترك آثاراً نفسية أو إجتماعية على هذا الطفل، لذلك أنا أوصي بإعادة النظر في عمل المخاتير ورجال الإصلاح في هذا الإطار». ويقول ايمن البطنيجي، المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في غزة التابعة ل «حماس»: «هناك حالات تحرش بالفتيان والفتيات تصل إلى الشرطة الفلسطينية ولا نسكت على متابعتها بالشكل القانوني»، مضيفاً: «للأسف، كثيرون يعانون من هذه الحالات يترددون في المجيء إلى الشرطة خوفاً من الفضيحة». ويتابع: «كمجتمع فلسطيني محافظ، لا يتم التبليغ عن معظم هذه الحالات ويتم معالجتها من طريق المخاتير. للأسف القانون الفلسطيني لا يعتبرها جريمة أو جناية، وكثير من القضايا التي بدأت بتحرش جنسي انتهت بالقتل». وينص القانون في حال التحرش على عقوبة تتراوح بين ستة اشهر وسنة، وفق ابو حجير. لكن يمكن الحكم على منفذ اغتصاب طفل تحت الرابعة عشرة، اذا تمت الادانة، بالاعدام. ويدعو ابو حجير الى تكثيف «توجيه الأطفال في المدرسة أو البيت حول التربية الجنسية»، مطالباً وزارة التربية والتعليم ب «دمج التربية الجنسية الصحيحة ضمن مناهجها للمرحلة الابتدائية».