وصف الشاعر أحمد الهلالي التجربة الانتخابية في الأندية الأدبية ب«الرائعة جداً»، مشيراً إلى أنها فتحت الباب أمام الجميع للمنافسة. واستبعد الهلالي في حوار مع «الحياة» وجود أي معوقات يمكن أن تعترض طريق «الهيئة العامة للثقافة»، وذلك بسبب حضور «الإرادة السياسية». الهلالي عضو مجلس إدارة نادي الطائف الأدبي، ومحاضر في جامعة الطائف، وشارك في عدد من الفعاليات الثقافية والمواسم الشعرية.. فإلى نص الحوار. كتبت مرة «الصراع الهووي والتصنيف» ما درجة اقتراب الواقع السعودي وحراكه الثقافي من هذين المصطلحين؟ - الهوية ميدان محتدم في تشيؤ المجتمع، فلكل فرد هويات شتى كالدوائر داخل بعضها البعض وكلها محاطة بدائرة عظمى، الفرق الجوهري هنا حين لا تكون الدائرة العظمى (الوطن)، فلو كانت الوطن لانصهرت كل الهويات تحتها وتقلصت الفوارق وارتقى الوعي، وانحسرت موجات التصنيف والاتهامات والعصبيات والمذهبيات، وهذا ما يجب أن يحرص عليه الحكماء، فلا ضير أن تختلف الهويات داخل الوطن ليزداد ثراء، لكن هوية (الوطن) لا يصح الاختلاف عليها إطلاقاً. عملت على تأسيس منتدى «أكوان» الإلكتروني الذي يعنى بالأدب والنقد، هل أصبح الواقع الافتراضي بديلاً عن الصوالين الثقافية العتيقة، وأين أضرّ ونفع هذا الرحيل باتجاه الإنترنت؟ - المنتديات الأدبية والثقافية بصفة عامة نوافذ التقاء المبدعين حين كانت حاضرة بقوة، وعملت على تأسيس ملتقى «أكوان أدبية» لهذا الغرض فقط، لكن على رغم أن سعة العالم الرقمي والراحة فيه سواء بالنشر أم بالرد والتعقيب إلا أنه لا يغني أبداً عن «الواقع»، فصقل الموهبة والشخصية والتحدي الحقيقي للذات يكون بالاحتكاك المباشر، أما الرحيل إلى الإنترنت فأبرز إيجابياته الاحتكاك بمبدعين من جهات مختلفة، واختصار المسافات الزمكانية، وصقل الموهبة بالنقد الهادف، لكنه في الوقت ذاته يضر بالمبدع في النواحي الاجتماعية، والمهارات المصاحبة التي تنمي الثقة بالذات وتصقل البديهة وتهذب اللغة وتغذي الارتجال المباشر عند الحاجة، وتحقق صفاء التلقي، ولعل هذا يتحقق في الواقع، أكثر مما تخبئ الشاشات. على رغم المحاولات الثقافية للبحث عن موطئ قدم في الواقع الافتراضي، ولكن السطوة هناك للخطاب الوعظي، وكأنه يعيد استنبات الواقع؟ - هذا السؤال ذكي وعميق في الوقت ذاته أخي عمر، فالخطاب الوعظي ارتحل كثيراً من الواقع إلى العالم الرقمي، يغذيه عنصران، الأول: الجماهيرية الإلكترونية الواسعة، والثاني: التدين العاطفي الشكلي المعتمد على «الحمية الدينية» والبحث عن الأجر من دون عناء التعبد، من خلال نسخ وإرسال المعلومة المثالية إلى الآخرين رغبة في صلاحهم، لكن المرسل ينسى (صلاح ذاته)، فأصبح التدين الشكلي الظاهري أقصر الطرق إلى كسب احترام الآخر وتقديره، فعلى المستوى الشخصي أعرف جل الذين يغرقونني بالرسائل الدينية والمثالية الخاصة، وهم في واقعهم بعيدون كل البعد عمّا يرسلون، وإن دققنا النظر في أصل هذه الازدواجية سنجدها تشيأت بفعل الخطاب الديني المركّز على العواطف، فأذكى الحمية الدينية، لكنه أهمل العقل على رغم عناية القرآن الكريم العميقة به، فأصبح الكثيرون يعيشون بازدواجية مشوهة وهم لا يعلمون. خلال انتخابات نادي الطائف الأدبي في عام 2011، لم ترض الجمعية العمومية عن النتائج واستاءت من تكتل دفع بمنسوبي التعليم إلى مجلس إدارة النادي، ما حقيقة الموقف؟ - الانتخابات دائماً لا ترضي جميع المتنافسين، وبالطبع لا يستغرب اتهام الفائزين من منافسيهم حين لم ينالوا الأصوات الكافية، وهذا يظهر في كل انتخابات العالم، لكن العبرة بالطعون الحقيقية ولم يسجل ضد مجلسنا آنذاك أي طعن، أما كون الفائزين من التعليم فهذا لا يعد طعناً، كون اللائحة سمحت لهم بالترشح، والعبرة ليست بجهة عمل المرشح بقدر ما تكون في عطائه ونتاجه، وجهودنا وإنجازات «أدبي الطائف» تتحدث عن نفسها، إضافة إلى أن التكتلات هي لب اللعبة الانتخابية في كل العالم، المهم أن تخلو مما ينافي العمل الثقافي كالقبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها، ونحن بعيدون جداً عن هذه المضامير السوداء. وكيف تقيم التجربة الانتخابية للأندية الأدبية؟ - التجربة الانتخابية للأندية الأدبية رائعة جداً، ليس لأني كسبت فيها شرف خدمة الثقافة في «أدبي الطائف»، بل لأنها فتحت الباب أمام الجميع للمنافسة، وحجمت الوصاية والتعيينات وهذا ما نادى به المثقفون الحقيقيون، وقد أنجزتُ دراسة نشرها نادي مكة الأدبي عن الأندية الأدبية، حصرت فيها منجزاتها السابقة من خلال أرشيفاتها، ثم حصرت نتاج السنتين الأوليين من المجالس المنتخبة أخيراً، وكانت النتائج جيدة، تنم عن حراك أدبي رائع، ولا أبرئ الأندية كلها من التقصير لعوامل عدة تطرقت لها الدراسة، لكني أرى جل الاتهامات في جانب منها تدور في فلك الشخصانية والمكاسب الخاصة. وسعدت باستمرار الانتخابات لمجالس الأندية للدورة المقبلة، لأن العودة إلى التعيين أو نصف التعيين ردة عن التقدم الشجاع لوزارة الثقافة والإعلام، وسيكون النكوص مثلبة، ومن هنا فإني أدعو كل المثقفين إلى المحافظة على مكتسباتهم ورتق صدوع الخلافات والالتقاء للنهوض بعمل ثقافي مؤثر في مجتمعهم، وأجزم أن التقاءهم سيصحح الكثير من الثغرات والمسارات، ويثمر. أنت صاحب فكرة حفلة المعايدة لبني هلال التي تعود إليها، ما درجة أهمية انفصال «المثقف» عن الأطر التقليدية للمجتمع، وهل تعوق تقدمية وعيه وطرحه؟ - المثقف ابن هذا المجتمع، وتقدمية أفكاره ووعيه وطرحه توجب عليه التأثير في مجتمعه لا الاختلاف والانعزالية، وفي نظري أن من أوجب الواجبات أن يكون فاعلاً في مجتمعه في ما لا يناقض إيمانه وما يطرحه من أفكار، وهذا لا يعوقه مطلقاً، فحين نظرت إلى أبناء منطقتي التي ترعرعت فيها، رأيت أن من واجبي تقديم مجهود ثقافي تنويري تحت اسم (المعايدة) لنجتمع على الحب أولاً، وفي الوقت ذاته عمدت وزملائي إلى إبراز المواهب الثقافية للشباب، شعراء ومقدمين ومتحدثين ومتسابقين وحتى رياضيين، ثم اتجهنا إلى تكريم الطلاب الذين أحرزوا مستويات علمية متقدمة أو كان لهم السبق في التحصيل، ووصلنا ولله الحمد إلى تكريم الرجال الأوفياء لمجتمعهم الذين قدموا جهودهم وأموالهم لخدمة أبناء المنطقة، وكل هذه الأعمال لا تنافي مطلقاً دور المثقف في استقطاب المواهب وتحميس الشباب إلى التنافس علمياً وأدبياً، لكن للأسف لم يزد عمر المهرجان عن سنتين، وتوقف لظروف (الوعي) وعلى رغم ذلك حقق نتائج إيجابية في هذا العمر القصير، ستظل هاجساً لدى الكثيرين يحثهم إلى إعادة الحياة إليه يوماً ما. تعرضت لمطاردة من رجال هيئة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر بسبب فعالية ثقافية اعتبرتها الهيئة «اختلاطاً»، أين انتهى بك الموقف؟ - دائماً ما تتعرض المؤسسات الثقافية إلى هذا النوع من الحوادث التي تغذيها الحرب التياراتية، وصراع الهيمنة على المجتمع و«الوصاية» على كل مناشطه، وانتهت القضية بالقرارات التي صدرت بحق المعتدين على مؤسسة ثقافية رسمية من دون وجه حق. ما الإشكالات التي يمكن أن تعترض عمل «الهيئة العامة للثقافة»؟ وماذا تنتظر منها كمثقف؟ - قرار «هيئة الثقافة» أسعدني كثيراً، ولا أستشرف وجود معوقات في طريقها، لأن «الإرادة السياسية» حضرت، لكن المهم كيف ستتشكل هذه الهيئة، وما هي الآلية التي ستحدد مجلسها الذي يترأسه وزير الثقافة والإعلام؟ وأهم من هذا كله: ما الاستراتيجية للأعوام ال15 المقبلة، فجميع المثقفين الآن ينتظرون تأسيس مجلس واسع الطيف يمثل الشرائح الثقافية كافة، وينتظرون استراتيجية حقيقية شاملة تتضمن أهدافاً كبرى نبلغها بتحقيق الأهداف القصيرة والمتوسطة، فلا يمكن أن نبني ثقافة حقيقية من دون رسم استراتيجيات حقيقية، فيكون للفعل الثقافي أثره المأمول في تنامي الوعي الاجتماعي، ويتعداه إلى تغيير صورتنا المشوهة عند الآخر، لنصبح مؤثرين في دائرة الفعل الثقافي العالمي. تقترب مناسبة مهرجان سوق عكاظ هذه الأيام، كيف تقيم هذه الفعالية خصوصاً وأنها بدأت تتوارى في الإعلام؟ - «سوق عكاظ» فعالية ضخمة جداً، لها مناشط عدة في الأدب والثقافة والمسرح والفنون والفلكلور والسياحة والعلوم والترفيه والحِرف والأسر المنتجة وغيرها، وهذه الفعالية الضخمة مؤثرة عميقاً في الفعل الثقافي، وفي سمعة الثقافة السعودية عربياً وعالمياً، لأنها تستمد وهجها من عمق التاريخ العربي القديم، ومن قوة المملكة العربية السعودية في هذا العصر، ولا ينقص «سوق عكاظ» في نظري التمويل ولا الكوادر ولا الإمكانات، بل تنقصه الاستقلالية في هيئة أو إدارة دائمة تعمل على تطويره باستمرار، وتنقصه كذلك الآلة الإعلامية دائبة التجدد والابتكار في الترويج للسوق داخلياً وخارجياً، وكذلك تنقصه الذاكرة الدائمة فلم أجد موقعاً على الشبكة يحوي كل شيء عن «سوق عكاظ» منذ انطلاقته، ليظل ذاكرة دائمة له باللغة العربية، ونستطيع ترجمته أو إضافة مواقع باللغات العالمية المؤثرة تلفت الباحثين والمهتمين بالفعل الثقافي السعودي، فيجدون ضالتهم من دون عناء، ومن دون وسيط ربما يزيد أو ينقص في تصويره للتظاهرة العكاظية المهمة.