لم يكن إقرار الانتخابات بديلًا عن التعيين في مجالس إدارات الأندية الأدبية كافيًا لإشاعة روح الاستقرار الذي ظلّ مطلبًا عصيًا في هذه المجالس طوال الفترة السابقة.. فواقع الحال قبل الانتخابات كان يشهد كثيرًا من الانتقاد لهذه الإدارات، من داخلها في مظهر الاستقالات المتكررة، والرمي بتهم المحاباة والانفراد باتخذا القرارت وغيرها من التهم الأخرى التي لم تهيّئ الجو المناسب لتسيير دفة العمل والنشاط بالأندية.. وكذلك كان الخارج يمور أيضًا بالانتقادات الحادة لهذه الإدارات في بعض ما تقوم به من نشاط وإصدارات، وفعاليات، وحتى في طريقة تعيينها، الأمر الذي حدا بكثير من المثقفين إلى إيثار الابتعاد والعزوف عن نشاطات وفعاليات الأندية، واضعين شرط إشاعة الحرية والديمقراطية لاختيار المجالس عبر الانتخاب سبيلًا لعودتهم.. وكان إقرار الانتخابات، لكن حدة الانتقادات لم تختفِ، فبرزت الطعون والشكاوى والتهم، التي ذهب أكثر الذين لم يظفروا بمقعد في المجالس منتقدين التكتلات والشلليات، ولم تسلم المجالس المنتخبة من ظاهرة الانسحابات والاستقالات حتى من الذين ظفروا بمقاعد في المجالس، ولم يجدوا مكانًا في الكراسي الكبيرة.. عدد من المثقفين والأدباء ناقشوا قضية الانسحابات حتى بعد إقرار الانتخابات في سياق هذا التحقيق.. مصداقية الطعون استهلالا يقول الدكتور عبدالمحسن القحطاني الرئيس السابق لمجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة والمتسقيل عن المجلس الحالي: إن انسحاب بعض الأعضاء الجدد يعني أنهم مقتنعون بهذه الطعون، وهذا لا يعني أنهم اتوا عن طريق تزييف، ولكن كان عن قناعة ومصداقية هذه الطعون، وربما يكون انسحاب بعض الأعضاء في أندية أخرى ليس بدافع الطعون، ولكن كان يطمح من أجل رئاسة المجلس أو نائبه. ولكن ما اؤيده هو أن انسحاب هؤلاء الأعضاء أمام ما قدم من الطعون أن هذه الطعون صحيحة، وأنهم أرادوا أن يتجاوب معها، وهذا يعود إليهم. ظلام جديد أما سعد الثقفي عضو مجلس إدارة نادي مكة الثقافي فيشارك بقوله: تكمن مشكلة الانتخابات في الأندية الأدبية منذ البدء في ثقافة وعقلية الناخب؛ ليس على مستوى الثقافة فحسب؛ ولكن على مستوى المؤسسات المدنية في المملكة. فهناك من الناخبين من لا يدرك حقيقة ماهية الانتخاب، ولمن يعطي صوته، بل يعتقد أن المسألة هي من باب أنصر أخاك، أو من باب: وما أنا إلاّ من غزية إن غوت! ولهذا وقع الإشكال والجدال في أغلب الأندية الأدبية ومنها نادي أبها الأدبي، فاللائحة - مع كل أسف - لم تلتفت لهذه المسألة المهمة، فلم تسمِّ بالضبط من هو المثقف، ومن يستحق الانضمام إلى الجمعية العمومية وبالتالي يعرف من يعطي صوته! وهكذا وقعت الإشكالات منذ البدء، واقتحم الأندية الأدبية من يطمحون إلى المناصب حتى لو كانت على حساب العمل الثقافي الشفاف والوطني، والذي يجب ألا يختلف على ثقافة الشخص المرشِّح نفسه اثنان، فما بالك بمن يدخل النادي والجمعية والمجلس لأول مرة، وتبارك ذلك الوزارة وهي التي تعرف أنها ستتعامل معه لمدة أربع سنوات كاملة، وقد يمثلنا في المحافل الدولية، ومطلوب من هذا العضو أن يشارك في فعاليات النادي وفي إقرار المطبوعات وما إلى ذلك من النشاطات التي ستفضحه خبرته في إدارتها، لذا حدث ما هو متوقع أن تقوم بعض المجالس الأدبية التي انتخبت ووصل بعض المغمورين إلى مجالسها؛ إلى محاولة الانشغال والتشاغل بكل ما هو بعيد عن الثقافة، وعطّلوا أعمال النادي لأنهم ببساطة لا يريدون أكثر من المجيء إلى النادي وشرب الشاي، ولا بأس بمحاضرة أو محاضرتين على استحياء، وما إلى ذلك من التفاهات التي لا تمت للفعل الثقافي بصلة. ويضيف الثقفي: كان هناك رجال شرفاء من أعضاء النادي الأدبي (منتخبين) في أبها قدموا استقالتهم لأنهم يدركون ما عنيته أعلاه، فسواء من انتخب منهم أم لم ينتخب يهمهم أن تكون الأصوات المعطاة لهم تعرف قدرهم الثقافي الحقيقي، لا أن تجاملهم، وقد صرّح رئيس النادي المنتخب قائلا: لم نطلب من أحد أن يعطينا صوته وكانت الحرية لأعضاء الجمعية ويشهد الله أننا لم نعلم بما آلت إليه الانتخابات إلا بعد النهاية، إنّ هذا الموقف المشرف من رجال نادي أبها الأدبي يعكس بجلاء عمق تجاربهم الثقافية وحرصهم على ألا يدخلوا للنادي، إلا من بوابة الانتخابات الحقيقية، وفي اعتقادي الشخصي إنّ إعادة صياغة لائحة الجمعية العمومية والتدقيق في قوائم المختارين قبل إعادة الانتخابات هو أمر مهم جدًّا، فالجمعيات العمومية يجب أن تضم مثقفين فقط، وأن تنأى بنفسها عن التكتلات الممقوتة والشللة، وهذا أمر تستيطع وكالة الوزارة أن تحسمه بالتدقيق في اللائحة والقوائم الانتخابية كما ذكرت. ويختم الثقفي بقوله: لا شك أنّ نتائج الانتخابات الأدبية في بعض النوادي سوف تلقي بظلالها على مسيرة الثقافة في بلادنا، وقد تدخل الثقافة والأندية الأدبية في غياهب الظلام من جديد، لا بسبب ما يتفوّه به بعض رؤساء الأندية الأدبية من نظرة قاصرة لفهم الثقافة والأدب فقط؛ ولكن أيضًا بسبب نقص الخبرات، وعدم الألمام أصلًا بالمسألة الثقافية، فالسيرة الذاتية لبعض من وصلوا لبعض مجالس الأندية الأدبية خير شاهد على ما ذكرت من أنّ مسيرة الثقافة والأدب في خطر بسبب تسنّم هؤلاء الأندية الأدبية، إلا إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام تريد انحدار ثقافتنا وأدبنا وهو أمرّ أنزّه الوزارة عنه، فهل تتدارك الوزارة هذا الخطأ قبل فوات الأوان! خطوة جريئة أستاذة اللغة العربية بجامعة الطائف أمل القثامي لم تستغرب ما حدث من انسحابات، يبرز ذلك في سياق قولها: هذه الخطوة من المتوقع حدوثها إذا أخذنا في عين الاعتبار أن ممارسة الانتخابات ثقافة جديدة على المجتمع المثقف، وحدوث خطأ في الترشيحات مبرر نوعًا ما إذا ما نظرنا لها من هذه الزاوية كما قلنا. فالخطوة التي قام بها بعض أعضاء نادي أبها الأدبي من تقديم استقالاتهم اعتراضًا على عدم نزاهة الانتخابات أعدها خطوة جريئة وشجاعة، وتدل على نزاهتهم وحرصهم على بناء ثقافة عادلة ومتزنة، كما تدل على وجود بيئة صحية لإعادة الانتخاب، من هنا أحيي كل من قدم استقالته، وأعلن ذلك رسميًّا، وأرى ان على باقي الأعضاء المنتسبين للجمعية العمومية أن يساندوا الحقيقة، ويتأكدوا من كل الجوانب والاتهامات المقدمة ضد نزاهة الانتخاب، وعليهم أيضًا - وهذا مهم جدًّا – إن أعيدت الانتخابات أن يصوتوا أولا لمن قدم استقالته من المجلس الحالي من أمثال: أحمد عسيري، ومريم الغامدي، وسعد العثمان، وعبدالرحمن المحسني، وأحمد فايع، وربما غيرهم لا أعلمهم . إلغاء الانتخابات رؤية العضو السابق بمجلس أدبي الشرقية حسن الشيخ جسدها في قوله: إعلان الانسحاب شبه الجماعي في نادي أبها الأدبي، سواء كان ذلك من الفائزين والاحتياط، يرجعنا إلى آليات الانتخابات في الأندية الأدبية التي تقوم بها وزارة الثقافة والإعلام. ولا يجب هنا التشكيك بنوايا الوزارة ولا بنوايا القائمين فعليًا على انتخابات الإندية، إلا أن هذه الآليات واجهت حقًّا الكثير من النقد من قبل المثقفين في الوسط الثقافي. ويضيف الشيخ: ونعود إلى الانتخابات الأخرى في العديد من الأندية الادبية، التي قدمت العديد من الطعون ضدها، ونعود لنتائج انتخابات أخرى في أندية مختلفة، سنجد مرة يكون عدد المصوتين أكثر من الحاضرين أعضاء الجمعية العمومية للنادي، ومرة أخرى يفوز أحد رؤساء الأندية الأدبية بأصوات تكتل واضح، ورغم فوزه يقدم الطعون على الانتخابات لأن الوزارة حشرت ثلاثة من الأسماء من خارج هذا التكتل، وهناك لجنة علمية لأحد الأندية الأدبية قبلت من قبلت من المرشحين للجمعية العمومية، ولم تقبل من خارج تكتلها، ولم ترجع رسوم الاشتراك إلى من رفضتهم بغير حق.. والحقيقة أن الاعتراضات والشائعات والمماحكات الثقافية حول الانتخابات بتنا نجدها يوميًا في صحافتنا المحلية، وعلى صفحات الإنترنت والمنتديات الأدبية. هناك صراع عنيف بين هؤلاء الأدباء الذين تقدموا للفوز بإدارة النادي. وأنا أرى أن وزارة الثقافة والإعلام عليها أن تلغي معظم الانتخابات التي جرت في الأندية الأدبية، ولكن لا لكي تعيدها مرة أخرى كما كانت، بل لتمسك الوزارة بكل تفاصيل العملية الانتخابية للأندية حتى لا يخرج مشكك بعد ذلك، منتقدا العملية الانتخابية لهذا النادي أو ذاك. أيديولوجيا الأبوة وخلافًا لكل الآراء السابقة المعضدة لموقف المنسحبين يقف القاص محمد الشقحاء على الرصيف الآخر بقوله: بكل أسف هذه الخطوة وقبل أن يمارس المجلس المنتخب عمله تدل على أن من شارك في ترشيح اسمه كان لإزجاء الوقت، وفوجئ أنه فاز مع عدم استعداده المبيت للمشاركة في المجلس، انما هي دليل واضح على أن التعاطي بجدية وصدق مع المنجز الأدبي لازال قلقًا بكل أشكال التنظير. كما أنه يدل على أن المستقيلين والطاعنين في الانتخابات لم يطلعوا بوعي على اللائحة المنظمة لعمل النادي الأدبي، فهم يشعرون أنهم لم يتجاوزوا أيديولوجيا الأبوة التي معها يأتي التوجيه. قرار شخصي الدكتو عبدالرحمن المحسني العضو المنسحب من احتياطي أدبي أبها قال: لست مع التصعيد الإعلامي، وربما كانت غايته توسيع الدائرة لتضيق على الوزارة فتدفعها إلى قبول المجالس الجديدة والانصراف عن طعون الأندية. ماضيًا إلى القول: بطبيعة الحال هناك قاعدة دينية ووطنية ينتمي إليها كل مثقفي الوطن، وثوابت يتفق عليها كل أعضاء الجمعية العمومية في نادي أبها، ودعوى التيار دعوى لا تثبت فكل مثقف وقف موقف الطعن ممثلا لنفسه ورأيه، ولا يبحث إلا عن شفافية هي أبسط حقوقه التي كفلتها له لائحة الأندية الأدبية قبل أن تكفلها له الحقوق الشرعية الدينية التي بني عليها هذا الوطن.. وسحب الدعوى الى منطقة الصراع الأيديولوجي هو سحب في اعتقادي مقصود لذاته هدفه إضعاف الطعن الانتخابي.. علما بأن الطعون في نادي أبها الأدبي تمثل أطياف الوعي الثقافي وليست مقتصرة على تيار واحد كما يظن.. مختتمًا بقوله: وكيل الوزارة وعد بإعادة الانتخاب وسنبقى في انتظار الوفاء الذي سيكون.. والطعون الانتخابية التي قدمها نادي أبها الأدبي طعون حقيقية مبنية على توقيعات حية لعدد تجاوز (43) من جمعية لا يتجاوز عددها ( 78) وهذا يعني أن هناك خطأ ما، لن تصمت عنه الوزارة التي يهمها في هذه الحقبة المهمة والتاريخية أن تقدم نموذجًا يحتذى في الصدق والشفافية، استقالتي هي قرار شخصي بنيته على خلل وعدم وضوح وشفافية في عمل الانتخابات، وسأبقى مصرًّا عليه حتى يتم إقناعي بآلية صادقة للفعل الانتخابي.. نكسة ثقافية مشاركة عضو أدبي تبوك عبدالرحمن الحربي صاغها بقوله: يجب أن نؤمن بتعسر مخاض الديمقراطية في مشهدنا الثقافي حتى نسلم بالتشوهات التي لحقت نتائج انتخابات الأندية الأدبية الأولى؛ لكن علينا أن نعيد النظر في أدواتنا في التحضير لخوض مثل هذه المعركة التي لا تحتمل أكثر من نتيجة مهما أفرطنا في التفاؤل. انسحاب البعض وطعن الكثيرين كل هذا له مبرراته المشروعة، والتي يجب على الوزارة ألا تتجاهلها، خصوصًا وأن الطعون في غالبها تقدم بها أشخاص كنا نعول عليهم في تصحيح مسار الأندية الأدبية، ولا أخفيك أن بعض المثقفين في تبوك عرضت عليه الانسحاب من أجل أن أفسح له المجال لثقتي أنه يمتلك من عوامل التغيير ما لا أملكه أنا، إلا أنه كغيره من الكثيرين يأمل أن تراجع الوزارة أوراقها في الحد من وصول من لا علاقة لهم بالثقافة والأدب إلى إدارات الأندية مما يكرس مفهوم النكسة الثقافية والتي ظهرت إرهاصاتها في عدد من أنديتنا الأدبية مع الأسف؛ ولكني أعتقد أن الخرق اتسع على الراقع، وما لنا إلا أن ننتظر الدورة المقبلة لنعيد نحن مراجعة أوراقنا في فرض الشروط الصارمة على من يريد ترشيح نفسه لعضوية الجمعيات العمومية أو مجالس الإدارة، وليس علينا أن ننتظر من وزارتنا الموقرة سوى أن تدعم بسخاء مشاريعنا الثقافية والأدبية. أمر طبيعي الشاعر صلاح القرشي اختصر حديثه بقوله: إنه موقف يحسب للمنسحبين باعتبار أنه لا يمكن لهم الاستمرار في مجلس منتخب لا يثقون بنزاهة الانتخابات ويرون مصداقية في الطعون التي تقدح في النتيجة، وأعتقد أن الانسحاب هنا هو الأمر الطبيعي لمن يرى صحة الطعون المقدمة. تجبّر وأنانية رؤية الدكتور صالح زياد أستاذ النقد بجامعة الملك سعود تمثلت في قوله: هؤلاء يذكرونني بالمثل الشعبي "ضِيقَة بيّاع الحماط"، والضيقة تعني نوبة الغضب، والحماط هو التين، والمثل هنا يَذْهب إلى أن هذا البائع الذي ضاق صدره بالمشترين أخذ ينثر بضاعته منه، ليلتقطها مجّانًا أولئك الذين أثاروا حفيظته بالمساومة على السعر. وهو مثل يصف حالات التصرف الغاضبة وردات فعلها التي تنم عن الرغبة في فرض الرأي والإقناع به بالقوة. ويضيف زياد: هناك طرق إجرائية وشروط واضحة لمفهوم الطعن في الانتخابات ووجهة الحكم فيه، وأعتقد أن من المنطقي ألا يكون من قَبِل لنفسه المشاركة في التسجيل والانتخاب غير راض بها لأنه في هذه الحالة لا يدلل على صدقيته؛ فهو متناقض ومتعارض مع العملية برمتها من قَبْل أن تُعْلَن نتائجها. خالصًا إلى القول: الانتخابات هي في الصميم صراع منافسة وتغالب، ولا بد أن تُحْدِث غبنًا بشكل أو آخر عند من لم يفز بها، أو من لم يفز مرشحه. ويبدو لي أن بعض حالات الغضب هذه في استعصائها على التسامح وحَشْدها بكل ما تستطيع ضد خصمها تبرهن على طبيعة تجبُّرية وأنانية ومتسلطة، والحمد لله الذي أراح أعضاء النادي بهزيمتها واستقالتها، فمثل هذه الطبيعة سواء فازت أم لم يحالفها الفوز في الانتخاب لن تضيف إلا مزيدًا من التسلط والتعصب والمزايدات