عندما أقيم في مدينة بوبينيي، في الضاحية الباريسية، قبل فترة واحد من أبرز المهرجانات الفرنسية التي اهتمت بالسينما العربية في الآونة الأخيرة، كان هناك في التظاهرة احتفال خاص بذكرى السينمائي الكبير الراحل يوسف شاهين (كما كان هناك احتفال وتكريم لعمر الشريف، ولألبير كامو من منطلق جذوره الجزائرية ووقوفه، بعض الشيء، الى جانب القضية الجزائرية... ناهيك بأن الاحتفالية ركزت على بدء عمر الشريف عمله السينمائي في سينما يوسف شاهين، كذلك على أن العمل المسرحي الوحيد الذي أخرجه شاهين، كان في باريس عن مسرحية «كاليغولا» لكامو...). يومها قدم المهرجان ما يمكن اعتباره أوسع بانوراما للسينما الشاهينية، إذ ضمت العروض كل ما يمكن توافره من أفلام شاهين الطويلة والقصيرة، مع استثناءات نادرة. غير أن ما لا يقل عن هذا كله أهمية كان ذلك «الكاتالوغ» الضخم، الذي أصدره المهرجان للمناسبة. وهو، في كل الحسابات، يمكن اعتباره أهم ما صدر عن يوسف شاهين في أية لغة غير العربية حتى الآن، على رغم معرفتنا بأن ثمة منشورات عدة صدرت عن صاحب «الأرض» و «العصفور» و «المصير»، من أبرزها ملحق خاص من مجلة «كراسات السينما» في التسعينات، وكتاب جماعي أصدرته مجلة «سينماكيون» الفصلية في الثمانينات. والحقيقة ان كتاب مهرجان «بوبينيي» يستأنف ذينك الكتابين، انما بتوسع أكبر وأناقة أزيد. حتى وان كان مثلهما، يلجأ الى العمل الجماعي، حيث إن النصوص التي شغلت نحو 180 صفحة (من القطع العملاق) تحمل تواقيع أكثر من ثلاثين كاتباً وناقداً، عرفوا السينما الشاهينية عن قرب، كما عرف معظمهم يوسف شاهين نفسه. ومن هنا جاءت النصوص أشبه بشهادات وتعليقات وتحليلات ميدانية قسمت الى 5 أقسام حملت عناوين موحية هي «فلنغن تحت المطر!» (1950 - 1957)، «ملح الأرض» (1958 - 1968)، «الوهم الكبير» (1969 - 1992)، «م. الملعون» (1993 - 2007)، وقسم أخير عنوانه «لمعرفة كل شيء». واللافت هنا هو أن معظم النصوص كتبها نقاد وباحثون فرنسيون أو مغاربة يكتبون بالفرنسية، اضافة الى نصوص ليوسف شاهين نفسه. أما من كتّاب المشرق العربي، فقد اكتفى هذا الكتاب الجماعي بالأديب والباحث الفلسطيني الياس صنبر، والكاتب المصري محمد سلماوي، والزميل ابراهيم العريس الذي ضم الكتاب نصاً طويلاً له بعنوان «سيمفونية الهزيمة»، وأخيراً الجامعي الفلسطيني حيدر عيد، الذي تناول فيلم «المصير» من منظور تاريخي بحت. وضم الكتاب الى هذا مجموعة مدهشة من الصور والوثائق النادرة. لقطة من فيلم «بابا أمين»