طعم مختلف يميل إلى المرارة: ليست هذه أجواء كأس العالم التي ينتظرها المصريون كل أربعة أعوام. صحيح أن ضجيج الشوارع على أشده، وأصوات المحللين الكرويين وخبراء «الساحرة المستديرة» تتداخل عبر نوافذ العمارات المتلاصقة، وواجهات المحال المتخصصة ببيع شاشات العرض، لكن المارة وعابري السبيل يلبصون بزجاجها، متابعين هجمة جانبية لباراغواي تجاه سلوفاكيا، أو ركنية لنيوزيلندا تهدد إيطاليا. وصحيح أيضاً أن المقاهي المصابة ب «متلازمة الشيشة والشاشة» مكتملة العدد، ومواعيد لقاءات الأصدقاء الليلية يتحكم فيها جدول المباريات الجارية في أقصى جنوب القارة السمراء، إلا أن كل ذلك يحدث بإيقاع منزوع الحماسة. الأحلام بمشاركة مصر في المونديال ما زالت تعكر صفو المشاهدة. وكلمة «لو» تأبى أن تهجر بدايات كثير من الحوارات والمناقشات السوسيو-رياضية التي تنتعش في أمسيات القاهرة الحارة. «يعني لو كنا أخذنا فرصتنا الحقيقية لكنا نشجع منتخبنا الوطني الآن بدلاً من جلوسنا كاليتامى هكذا؟!»، قالها أحد المشجعين وهو ينفث دخان الشيشة الذي تصاعد في الهواء على خلفية صوتية تراجيدية من مصاّت الشفاه والتنهدات والآهات الصادرة عن بقية رواد المقهى. مشاعر الأسى والمرارة المصرية الكروية لا تنافسها حدة وضراوة إلا مشاعر الغضب والاستفزاز التي اجتاحت كثيرين، حين اتفق الإعلام الرسمي على تشجيع الجزائر تحت شعار «كلنا جزائريون»، وذلك ضمن جهود التهدئة الرسمية للأجواء الساخنة بين البلدين. يقول حسام محمد (34 سنة): «كنت أفضل أن يتركونا (الإعلام الرسمي) في حالنا نتابع كأس العالم على رغم حزننا على ضياع فرصة تأهلنا، لكنهم أبوا، وخرجوا علينا بهذه الحملة السخيفة وغير المنطقية التي أفسدت علينا حتى متعة مشاهدة فنون كرة القدم العالمية». إلا أن الحملة الرسمية للتضامن مع الجزائر لم تكن العامل الوحيد المسبب لإفساد متعة المشاهدة. فهناك ما لا يقل عن نصف مليون بيت مصري مبتلية ب «جرثومة» الثانوية العامة وما يصاحبها من حال طوارئ تعكر صفو قاطنيها، ما زالت ترزح تحت وطأة الامتحانات التي تتزامن ومباريات كأس العالم، ما حرم الطلاب وذويهم من المتابعة. طقوس مشاهدة المونديال التي تعرضت لهزة مصرية عنيفة هذه الدورة أثرت سلباً في بعض الفئات التي كانت تستفيد من الآثار الجانبية لهذه الطقوس. فقد جرت العادة أن تنتظر الزوجات المصريات هذه المناسبة للتمتع بإجازة زوجية على طبق من فضة. فهن لا يسعين إليها، ولكنها تقدم لهن من قبل ال «فيفا» من دون مقابل ولا شروط. إلا أن مشاعر الحسرة السائدة هذا العام، وعزوف كثيرين من الأزواج عن الإخلاص لمتابعة المباريات كاملة، أدت إلى التزامهم البيوت، والعزوف عن المشاهدة الجماعية في المقاهي والنوادي، ما يعني ضياع فرصة التقاط أنفاسهن. وبحسرة شديدة تتذكر السيدة داليا طاهر (38 سنة) مونديال 2006، كمن تتذكر شهر العسل أو شقاوة أيام الدراسة الثانوية، قائلة: «آه! كانت أيام! شهر كامل أمضيته وأنا متمتعة بحريتي. أخرج مع صديقاتي، أذهب إلى النادي، أنام، أصحو. حتى مهمة الطبخ اليومية، تحللت منها بعدما أخبرني زوجي أنه سيتناول غداءه وعشاءه في الخارج مع أصدقائه». تسللت إلى ملامحها تقلصات العبوس وآلام الحاضر، إذ تضيف: «لكن مع الأسى والألم! فقد زوجي الاهتمام بالمشاهدة هذا العام لشعوره بالغضب لعدم تأهل مصر، ولذلك هو يلتزم البيت، ويشاهد بعض المباريات وتحليلاتها الكروية وحده كئيباً. وللأسف، كلما أفرط في الاكتئاب أقبل على الأكل. والنتيجة أنني أمضي يومي في المطبخ. عيناي حالياً مصوبتان نحو 2014، وكلي أمل بألا يحدث ما يكدر صفو متابعة المونديال».