إنّه فيديو واحد، لكنّه كان كافياً بأن يقضّ مضاجع اللبنانيين ويوحّد اهتماماتهم ولو ليومٍ فقط. فيديو يظهر مدير مدرسة تابعة لجمعية المقاصد الإسلامية في بلدة العرب جنوبلبنان، وهو يعاقب تلميذين بطريقة وحشية، إذ قام باستدعائهما وضربهما على أقدامهما بواسطة مسطرة خشبية. ويُظهر الفيديو توسّلات الطفلين وبكائهما لكي يتوقّف المدير عن ضربهما، لكنّه يستمر في ذلك. هنا ينتهي الفيديو الذي انتشر بين ليلة وضحاها على سائر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثار موجة كبيرة من الشتائم تجاه هذا المدير، مع التعبير عن الرفض للنظام التعليمي القائم على العنف. لكن القضية لم تنتهِ، لا بل بدأت على رغم أنّ موضوع العنف في المدارس اللبنانية ليس مستجداً. لكن ما كان جديداً هو ردّ فعل جمعية المقاصد المسؤولة عن المدرسة التي قرّرت صرف الأستاذ، واتخاذ صفة الادّعاء الشخصي في حقّه، إضافة إلى الاستجابة السريعة من وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب تجاه القضية واستقباله الطفلين في مكتبه، مؤكداً أنّه سيبذل المستحيل لمنع الأستاذ الذي عنّف تلاميذه من أن يشغل أي موقع تربوي، شاجباً أي عنف يُمارس ضدّ الأطفال. ظاهرة متفشية أضاءت هذه القضية على موضوع الأساليب العنفية المستخدمة في المدارس، وقد تحوّل المدير «الوحش» كما أسماه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شخص يتحمّل الملامة عن كلّ العنف في المجتمع اللبناني. وعلى رغم سوء تصرّفه مع الطلاب، فالدراسات تشير بالتأكيد إلى أنّه ليس الوحيد الذي يتبع مثل هذا الأسلوب. ففي دراسة أجرتها منظمة «كفى عنف واستغلال» بالتعاون مع المجلس الأعلى للطفولة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية ومنظّمة Save the children، تبيّن أنّ 54,1 في المئة من الأطفال على مقاعد الدراسة تعرّضوا لشكل من أشكال العنف الجسدي، بينما قال 64,9 في المئة منهم إنّهم اختبروا العنف النفسي. وهذا العنف يمكن أن يُمارس عليهم سواء في المدرسة أو في المنزل أيضاً، حيث لا يزال أهال كثر يتبعون أسلوب الضرب لتأديب أطفالهم. بالتالي، فإنّ قضية المقاصد لم تكن الشرارة الأولى أبداً، لكنّها أتت لتوقظ النقاش الواسع حول هذا الموضوع وإمكان الحدّ منه. وفي هذا المجال، اتّخذ وزير التربية تدابير لوقف استخدام العنف في المدارس ومنها عقوبات قصوى بحقّ الأساتذة المعنّفين، تكليف التفتيش المدرسي بمتابعة قضايا العنف في المدارس، إضافة إلى إمكان إبلاغ الوزارة بأي حالة تعنيف عبر خطّ ساخن خصّص لهذا الشأن. بيئة حاضنة إلا أنّ هذه التدابير لا تكتمل إلا بتأمين بيئة اجتماعية رافضة العنف، كما تقول المختصة التربوية كارول أبي حيدر، إذ تبيّن أنّ الأهل المعنيين في شأن قضية المقاصد كانوا يطلبون من المدير أن يؤدّب أطفالهم بالضرب، وهذا ما عبّروا عنه خلال تظاهرة نظّموها عند مدخل المدرسة تضامناً مع المدير المُدان لفعلته. لذا، فإنّ القضية لم تكن خافية عنهم، وهم لم يتفاجأوا بما يتعرّض أطفالهم له في المدرسة. وترى أبي حيدر «أنّنا في لبنان نشرّع العنف في حياتنا، بدءاً من تأديب الأطفال في صغرهم وصولاً إلى العنف في المدارس وحتّى الحياة الزوجية. لذا، فإنّ التدابير الرسمية التي تتخذ تساعد، ولكن لا تحلّ المشكلة جذرياً، بل يجب توعية الأهل على أخطار الأسلوب العنفي في التعليم». وعن هذه الأخطار، تشير أبي حيدر إلى أنّ العنف يُعتبر عالمياً من أبرز مسبّبات التسرّب المدرسي، لأنّ الطفل لا يرغب في متابعة تعلّمه في عمر صغير بسبب تعرّضه للعنف الجسدي أو النفسي. وفي حال تابع تعلّمه، يمكن الطفل أن يسلك طريق الانعزال عن مجتمعه، أو أن تبرز لديه سلوكيات شاذة كتعنيف التلاميذ الآخرين رداً على ما يتعرّض له. وتشدّد أبي حيدر على أنّ العنف النفسي مساوٍ للجسدي من ناحية التأثيرات الخطيرة على الطفل، بل إنّ هذا النوع من العنف أخطر، لأنّه لا يمكن تلّمسه عبر آثار مادية على الطفل كما يحصل في حال تعرَّض للضرب. حماية القانون... ولكن! تساءل لبنانيون كثر عن دور القانون في حماية الأطفال من تكرار مثل هذه الحوادث في المدارس، والمشكلة ليست في غياب القوانين، بل في تطبيقها فعلياً. فالناشطة المدنية في مجال حقوق الطفل لين فرج تلفت إلى أنّ اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 تحميه من سوء المعاملة والاستغلال. كما أنّ قانون العقوبات اللبناني يحاسب الأشخاص الذين يسبّبون أضراراً للأطفال. ومن ناحية المدارس، فقد سبق وصدر تعميم في عام 2008، يمنع تعرّض التلاميذ إلى عنف جسدي أو معنوي، لحقه تعميم آخر يطلب من المدارس والثانويات اتخاذ الإجراءات لمنع هذا العنف. لذا، ترى فرج أنّ المشكلة تتعدّى القوانين لتطاول الثقافة الطاغية في المجتمع، مع الحرص على تشديد العقوبات على كلّ شخص يعنّف الطفل حتّى ولو كان قريباً له.