من النادر أن تسمع في التقارير والأخبار الرياضية الآتية من جنوب أفريقيا الاسم الصريح للمنتخبات المشاركة في المونديال. كل منتخب له لقب ورمز ولون يميزه عن غيره، وهذا ما يعرفه المعلقون ومقدمو البرامج الرياضية جيداً، إذ تحفل عباراتهم وجملهم بالرموز والألقاب والألوان والنعوت وأسماء الحيوانات والرقصات بحيث يصعب فهم الكثير من هذه التراكيب لو جاءت خارج سياق هذه البطولة العالمية. والواقع أن بعض هذه التعابير يتمتع بالطرافة وخفة الظل من قبيل «المكنة الألمانية تحد من تطلعات الكنغر الأسترالي»، أو «رونالدو يتذمر من عنف الأفيال»، أو «الديوك في المواجهة الأولى»... وبعضها الآخر يبدو وصفاً لمعارك جرت في الأزمان الغابرة من قبيل القول «التانغو في مواجهة محاربي التايغوك»، أو «محاربو الصحراء يفشلون في المعركة». وثمة أوصاف توحي بحفلة: «الرقصة الأولى للسامبا». ولا تغيب، بالطبع، الألوان التي تميز هذا المنتخب عن الآخر، فثمة «النسور الخضر»، و «النجوم السود»، و «البرتقالي»، و «الآزوري» ...الخ، فضلاً عن كلمات تشير إلى الثقافة المحلية لهذا الفريق أو ذاك مثل «بافانا بافانا» الذي يعني منتخب جنوب أفريقيا. ولا يكتفي المعلقون الرياضيون بهذه الأوصاف التي تزين مادتهم الإعلامية، بل ثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك حين يغوص عميقاً في ثقافة وتاريخ البلدان المشاركة في المونديال، لاختيار أبرز رموزها في السياسة والأدب والفن، وأبرز معالمها الحضارية والطبيعية، وتوظيف ذلك على نحو محبب خلال التعليق على المباريات. ويبدو أن المعلق والمذيع الرياضي الذي يمتلك، من دون شك، ذخيرة رياضية هائلة يستحضرها عند الحاجة، عليه أن يكون ملماً، كذلك، بثقافة موازية إلى جانب معلوماته الرياضية عن جغرافية هذا البلد أو ذاك، وعن تاريخه وقادته وفنونه وتقاليده، ومثل هذا الشرط يتجلى في حديث هؤلاء المعلقين الرياضيين الذين تتباين مستوياتهم، فمنهم من يكتفي بالقول الصريح، الواضح فيكون كلامه باهتاً مبتذلاً، ومنهم من يلوّن وينوّع تعليقاته استناداً إلى ثقافته وخبرته، فيأتي حديثه على شكل محاضرة في الجغرافيا والتاريخ والفن. ولم تعد كرة القدم مجرد مادة إعلامية بصرية تنتهي بانتهاء المباراة، بل ثمة عناصر أخرى كثيرة تساهم في إضفاء الحماسة وتجذب المشاهدين في كل بقاع الأرض. ومن هنا نرى أن الفضائيات تتبع تقليداً يسمى «الأستديو التحليلي» الذي يناقش المباراة بكل تفاصيلها، وثمة جيش من المراسلين يتوزعون في المدن المختلفة، كما أن الكاميرات لا تهدأ، فهي تنتقل من مكان إلى آخر لرصد كل ما يسبق ويلي المباراة. ولعل الرموز والنعوت، التي أشرنا إليها، والتي تتكرر في المادة الإعلامية الرياضية هي وسيلة للجذب والإمتاع، وهذا ما يدركه مسؤولو الفضائيات الذين يتنافسون في اختيار أفضل المعلقين لمحطاتهم لاستمالة المشاهد ونيل رضاه.