يبقى معرض الكتاب محركاً مهماً للمشهد الثقافي السعودي، حتى بعد انتهاء فعاليته، إذ يواصل المثقفون من كتّاب ونقاد ومبدعين طرح رؤاهم ومقترحاتهم حول هذا المحفل السنوي، الذي يحرصون على حضوره منذ انطلاقته وحتى آخر يوم له، فمنهم من يرى أهمية تكريس كل الجهود لنشر الكتاب فقط وإيقاف الأنشطة المصاحبة، بدعوى أن التظاهرة للكتاب واتساع رقعة انتشاره، وليست لإثارة قضايا ثقافية أو فكرية، وهناك من يرى أن معرض الكتاب بدأ يخفت ضوؤه، بعكس ما هو معروف عنه منذ دورته الأولى عام 2006، وأنه لم يعد مسوغاً ما يثار حوله من حصار ورقابة مشددة، فيما يحمّل آخرون وزارة الثقافة والإعلام مسؤولية عدم الاهتمام بدور المثقفين في المعرض وتحجيم حضورهم، لذلك استطلعت «الحياة» آراء بعض المبدعين والكتاب حول تطلعاتهم وهمومهم في هذا الشأن، وكانت ردودهم كالآتي: سعيد الأحمد: الكتاب يتجاوز تصفية الحسابات إن المعرض بصفته معرضاً خالصاً للكتاب لا شأن له بهموم أو أحلام المثقفين الواهية وعديمة الجدوى، فالكتاب يأتي من خارج البلاد للاقتناء والحركة والوصول للقارئ البعيد جداً عن حسابات مثقفي البلد الذين يُشغلون الناس بأطروحاتهم المكررة. إن معرض الكتاب في أي مكان في العالم يعد سوقاً فقط، وها نحن نرى حضوراً هائلاً من الزوار يقبلون على شراء الكتب بمختلف توجهاتهم وقراءاتهم، ولا شأن لهم بقضايا واهمة لدى المثقفين كالمطالبة بدعوة أو ترسيخ التقاعس بثقافة التواكل من خلال التفرغ الأدبي الذي يطالبون به وزارة الثقافة»، فعلى المبدع الحقيقي تجاوز هذه المواقف المربكة التي تشغله عن تظاهرة الكتاب، وتسير المناسبة لنقاشات مللنا منها، فالظرف زمناً ومكاناً ليس مهيأ لاحتوائها. إن العبرة بمئات الآلاف من الناس الذين لا يعنيهم سوى الكتاب طوال أيام المعرض فقط، من دون أن تعنيهم الفعاليات الجانبية أو القضايا المصاحبة التي يتجاذبها المثقفون مع وزارة الثقافة إعلامياً فقط في كل عام، فيما يبحث القارئ عن الكتاب، يبحث المثقف عن فرصة لتلميع نفسه وتبجيله عوضاً عن انشغاله بإيصال كتابه للقارئ الباحث عن الكتاب لا عن التكريم وعن وجاهة كمؤلف، والذي يريد تسويق نفسه عليه ألا يكتئب إن لم يسوق نتاجه، ومن يستغل تظاهرة الكتاب لتصفية حساباته وإبراز ذاته، فهذا خارج اهتمام العامة المتخلصة من التعاطي مع المعارك والقضايا، وهي التي تحترم الكتاب بحق. عبدالله ثابت: في الرقابة إقلال من رموز الأدب معرض هذا العام 2014 شهد أحداثاً كان يجب أن يتجاوزها، على الأقل ولو من قبيل تجربته في معارض الأعوام الماضية، فقصص من نوع سحب أعمال محمود درويش والبياتي والسياب ليست فضيحة تلحق بهذه الأسماء الرائدة، وإنما تلحق بمن يصادرها، ثم إغلاق جناح دار - أياً كانت الأسباب - ليس معقولاً، لاسيما أنك منحته الإذن قبل بدء المعرض بمدة، ويفترض أنك اطلعت على قوائمه. هناك تراجع غير مفهوم في سلوك الوزارة تجاه الفعالية ذات الفضاء العام الوحيد تقريباً (معرض الكتاب)، والتي تصل إلى عموم الجمهور بعيداً عن أقبية أنديتها وجمعياتها. يبدو أن الوزارة نجحت مع الوقت في ضبط الغوغاء والمحتسبين نسبياً، ثم شرعت هي نفسها في ممارسة احتساب من نوع آخر. لحظة، درويش يُصادر! أي إقلال قد يلحقه بنفسه من يفعل هذا! زياد السالم: المثقفون و شرعية المؤسسة أسجل ملاحظتي الأولى عن عدم الاهتمام بالمثقفين أو تكريس أسماء لم تعد فاعلة، فمثلاً محمد العباس لم يعد يمثل القيمة الثقافية التي كان يقدمها في التسعينات، وأصبح حضوره لا يختلف عن حضور الكثير ممن تراجعوا تماماً عن تقديم أيّ شيء، أو أولئك الذين لا يكاد يذكرهم أحد في المشهد، فالرجل كان منزوياً، وفقد تلك الكارزما التي وهبته حضوراً أكبر في السابق. كما يواصل محمد الرطيان إساءته لكتابه التواقيع والشذرات في كتابه وصايا فهل وصية تبدأ بحرف النداء (يا بني...)، وأسأل: هل يدرك أن البدع الحقيقي خائن للوصايا والألواح المقدسة. إن كتابته مسكونة بالطمأنينة، فيما الكتابة المتشظية تتطلب قلقاً وجودياً، فكل شذرة هي شفرة برق ولمعة، والرطيان لا يملك هذا الموقف أبداً، وأُطالب من ناحية أخرى بتعريته، لاسيما أنه يتمتع بسلطة جماهيرية تصل لدرجة الرمزية، ولكنها رمزية لا قيمة لها، بل زائفة في حقيقتها. أما ملاحظتي الثانية فعن الإيوان الثقافي، وهناك تجب الشهادة الحسنة بحق الشاعر محمد عابس الذي كان له حضور لافت، وكان محركاً كبيراً أيام المعرض بما يملكه من حسّ إبداعي وقدرة تعامل مع كل المثقفين. ووجدنا لدى وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان أطروحات نيرة قدمها أثناء حديثه في الإيوان، لكنه أخفق في مسألة مفصلية عندما قال إنه طرح منذ العام الماضي فكرة «عدم دعوة المثقفين لمعرض الكتاب»، وأن هذا ما ستفعله وكالة الوزارة للشؤون الثقافية في الدورة المقبلة للمعرض. وهنا أقول لقد تحدث وكيل الوزارة بعقلية الموظف الذي ينطلق من حسابات ضيقة كمسألة الاقتصاد في المصروفات والجهود. وعليه أن يدرك في المقابل أن دعوات الوزارة للمثقفين ليست هبات تتفضل بها عليهم، وإنما هي استحقاقات أساسية للمثقفين، وأجزم بأن الحجيلان يسير في الاتجاه الخاطئ إذا ظن أن الوزارة هي من تهب المثقفين الشرعية، بينما العكس هو الصحيح، فحضور الأدباء وصناع الرأي يمنح المؤسسة الرسمية شرعية مضاعفة، حتى لو لم يشاركوا في أية فعالية. ألا يعلم وكيل الوزارة أن تكاليف استضافة المثقفين خلال الأعوام الماضية جميعها لا تساوي قيمة أي عقد من العقود المبرمة للاعب كرة القدم؟ كان المثقفون ينتظرون ما يطمحون إليه من الوزارة مثل دعم نتاجهم الفكري والتفرغ ونحوه، فهل يعلم أن برنامج الترجمة في عهد سابق من تاريخ العراق يفوق بكثير هذه التوجهات لدى إدارته؟ ثم إن دعوة المثقفين في كل دول العالم تقليد عريق وأساسي، لذا على الحجيلان أن يعالج مقاطعة الفصائل الإسلامية للندوات والمعارض، وكذلك فئة المثقفين الراديكاليين الذين يرفضون أنشطة الوزارة. فكيف لشخص أمامه هذه القضايا أن يُشهر كرتاً أحمر ليحرق النسيج الناعم الذي يشكله طيف كبير من المثقفين على امتداد هذه البلاد؟ فتظاهرة معرض الكتاب لحظة تاريخية يجسدها هؤلاء المثقفون وحضورهم يعد دعماً مهماً للمنظومة الرسمية، وأعتقد أن جهات أساسية في الدولة لن ترحب بفكرة الحجيلان الذي كان يتحدث كما لو أنه يتحدث عن تركة خاصة أو ممتلكات تحت تصرفه المباشر، ثم ماذا ستقدم الوزارة من خلال هذا الموقف لجيل جديد في عشرينات العمر له اهتمامات جمالية في الفن الغربي كالموسيقى ومحاكاة الجسد ولا يمكن إهماله وهو يرى نفسه شريك المثقفين؟