ذكر رئيس مجلس الشورى أن مشاركة المرأة السعودية في المجلس سيكون لها تصور نهائي بعد إجازة الصيف. وظني أنه حسم إيجابي سيصب في مصلحة المرأة وتثبيت موقعها المواطني، وهو تطور طبيعي لهيكلية المجلس التأسيسية والتنظيمية والتنفيذية، ولوضع المرأة المقدّر في السنوات الأخيرة التي أعيدت معها صياغة النظر في دورها وحقوقها الإنسانية والوطنية. ويبقى السؤال: من الذي يقرر الاختيار إن حصل؟ فمن يشكّل اللوائح هو الرجل، ومن يراجع ملفات المرشّحات هو الرجل، فعلى أي أساس سيتم التمثيل وعدده؟ وهو سؤال استفساري وليس استنكارياً، فأنا إذ أتساءل أقولها صراحة: «المرأة لا تثق بالمرأة ولا تصوّت لها»، ولئن يكون تعيين المرأة في المجلس على يد رجل فهو أضمن وأدق وأوسع بعداً (وإن لم تعترف المرأة أو تقتنع) من تركه لمزاجية نساء ومعايير غير منطقية تتحكم فيها الغيرة وأمور أخرى، فطبيعة الأنثى قد تشوّش عليها تبني الموضوعية والمحايدة في موضوع تنافسي مع المرأة (لا ننسى أن التكليف تأتي معه حقيبتا الوجاهة والشهرة على مستوى الوطن). حتى أنك تجد عدد الناخبين الرجال للمرأة المرشحة في برلمانات العالم أعلى من عدد الناخبات النساء للمرشحة نفسها، في ظاهرة لا تُؤخد على المرأة فحسب، ولكنها تحتل خانة تنّدر الرجل عليها، وبالعودة إلى المقياس أقول عن نفسي: أتمنى ممن تمثلني أن تكون وطنية، ذات حس عالٍ بالمسؤولية، معتدلة، وذكية، فأي توجّه تكون عليه، لا خوف منه مع ذكاء الاعتدال. توقُّعي أن يُراعى في مرحلة التمحيص اعتبار عاملي الكفاءة والتوزيع المناطقي على قدر المؤهل والمتوفِّر، فلا ينبغي مثلاً حصر التعيين في من تقيم بالعاصمة. وعليه، وبالنظر لمناداة المرأة بالحقوق العادلة، والأمر في النهاية هو تشريف وطني، يبقى على من وقع عليها التكليف ولا تسكن مدينة الرياض، ترتيب وضعها الأسري والاجتماعي للانتقال إلى حيث مقر المجلس، أو يكون عليها تحمّل عناء السفر أسبوعياً لحضور جلساته، على أن تشارك في النقاش والبحث والتقصي وتقديم الدراسات وأوراق العمل عن كل ما يهم الشأن العام. فلا يعني وجودها في المجلس أن تُحشر في التعاطي مع شؤون المرأة والعائلة باعتبارها أفضل من يوصلها، فهو تحليل مبالغ فيه، وفيه تجن على مجهود الرجل الذي لم يقصّر في الدفاع عن قضايا المرأة طوال عمر المجلس. تظهر الحقيقة بأكثر من وجه، وبإضافة مقعد المرأة إلى المجلس يمكن للزوايا القديمة نفسها أن تطبع في صور جديدة وبعدسة مختلفة على الأصعدة كافة «بلا استثناء»، إنها ميزة استثمار العقول مجتمعة في بناء الوطن. لم يتحرج نبي الأمة عليه الصلاة والسلام من مشورة زوجته أم سلمة في صلح الحديبية، كما لم يترك القرآن مسألة الجدال إلا ونبّه إليها (سورة الكهف)، وماذا عن المرأة المسلمة وجدالها مع النبي في زوجها حتى نزلت فيها سورة المجادلة! وحتى كرمها عمر رضي الله عنه بقوله: «لقد سمع الله لها»! فالحكاية ليست في تعيين المرأة في مجلس الشورى، الاستغراب في عدم تحقيقه رسمياً إلى اليوم، فإن كنا قادرين على التحضّر، فلم التأخر! فكل نظام لا يملك نوافذ يطل منها على واقع الحياة بما فيه، ستأتي الأيام - مهما امتدت به - وتبرهن له بتحدياتها أنه آيل للسقوط، فحياة الشعوب لا تقاس بالسنوات ولكن بالخبرات، ولا حياة تستقيم بغير امرأة ورجل! هكذا خُلقنا، وهكذا نستمر، وأي مخالفة لهذا القانون الإلهي هو نمو مشوّه وتعدٍّ على الفطرة، وعذراً، لن أثير عقدة الاختلاط هنا، فالمجلس أقدر على تقنينها وحلّها بالشكل المناسب لهيئته ومكانته. [email protected]