النزول إلى حلبة الملاعب التي تشهد مباريات التصفية للفوز بكأس بطولة القارات الخمس بجنوب أفريقيا، ليست درباً معبدة، فالمنافسة شرسة للغاية، وتتطلب من اللاعبين أن يكونوا في جاهزية عالية عقلياً وجسدياً ونفسياً. وتُعتبر المنافسة في مونديال كرة القدم مصدراً للكثير من المواقف الإنفعالية المتغيرة لإرتباطها بالفوز أو الهزيمة. مجرّد وجود اللاعب في النهائيات يعرضه لضغط نفسي كبير جدا، لأنه ليس مطالباً أن يثبت ذاته أمام مدربه وجمهوره ومشجعيه ووطنه فحسب، بل أمام العالم كله، فتتسمّر العيون على تحركات اللاعبين وأدق التفاصيل... ولا ترحمهم إذا ارتكبوا خطأ. لا شك أن ثمة عوامل يجب أن تتوفر في اللاعبين من بينها الاستعداد الكافي والمهارة الفنية واللياقة والحماس والثقة بالنفس والرغبة في الفوز والقدرة على التحمّل... لكن هذه وحدها لا تكفي لتحقيق الانتصار، فلا بد من اعتبار الضغط النفسي الذي ينخز خاصرة اللاعب، كشوكة. وهذا سلاح ذو حدين، فإما أن يستطيع اللاعب تجييره في مصلحته، فيتكيّف مع الأحوال التي يمر بها فيتخطى الصعاب، وإما يعجز عن ذلك فيؤثر سلباً في سلوك اللاعب ليغلبه الخوف ويسيطر القلق عليه... وقد يدفعه هذا الوضع إلى الإنهيار واللامبالاة، وربما إلى ارتكاب حماقات وحصد إنذارات ومخالفات تودي بفريقه إلى خارج المنافسة. الضغط النفسي يحرض غدد الجسم على إطلاق حفنة من الهرومونات إلى مجرى الدم، من أهمها الأدرينالين والسيروتونين والدوبامين التي تطلق بدورها عاصفة من التفاعلات الفيزيولوجية تزيد كفاءة أعضاء الجسم، وبخاصة القلب والعضلات والدوران الدموي، فتتولد عند اللاعب الجيد الرغبة الجامحة في صرف الطاقة لتحقيق أفضل ما عنده. أما اذا كان اللاعب لا يجيد التصرف، أو متوتراً، أو متعجرفا، أو سريع الغضب وتفلت أعصابه بسهولة، فإنه غالباً ما يضيّع قدراته في مشاكسات وردود أفعال، خصوصا في اللحظات الحاسمة، تقوده وفريقه إلى ذيل القائمة. وأشرس ضغط نفسي يتعرض له اللاعبون هو ذاك الآتي من الجماهير في الملاعب، فهذا النوع من الضغط قد يخلق لدى بعضهم إرباكاً يمكن أن يودي بفرقهم إلى مستنقع الخسارة، بعد أن كان قاب قوسين من فوز يضعه في الطليعة. ومن منا لا يتذكر ضربة الجزاء المهدورة تحت ضغط الجمهور للاعب الإيطالي روبيرتو باجيو في مونديال 1994، فكان الفوز من نصيب البرازيل. وكذا الأمر حصل مع زيكو في مونديال المكسيك العام 1986، عندما أطاح الكرة خارج المرمى في الربع النهائي أمام الفريق الفرنسي. شبح الضغط النفسي يطارد اللاعبين حتى قبل البدء بالمنافسة الرياضية، خصوصاً من قبل وسائل الإعلام التي تسلط أضواءها غالبا على نواقص هؤلاء، ويبدو هذا الضغط جليا من خلال أداء اللاعبين على أرض المباراة، وذلك عن طريق القرار الذي يتخذه هؤلاء في المناورات بالكرة، فإذا كانت وجهات الكرة سليمة وحاسمة فإنها ستعزز حتماً من إمكانيات تحقيق النصر، أما إذا كانت وجهاتها مشتتة عشوائية فإن حظوظ الفريق في "دك" الكرة في مرمى الخصم ستكون شبه معدومة إن لم نقل مستحيلة. ختاماً، ان التعرف على مصادر الضغوط النفسية وعلاقتها بالمنافسة والصحة النفسية للاعبين الرياضيين يُعتبر حجر الزاوية في مجابهة تلك الضغوط وعلاجها، من هنا ضرورة وجود الإختصاصي النفسي في الأندية والمنتخبات الوطنية من اجل تهيئة اللاعبين نفسياً لخوض المباريات وتقديم أفضل المستويات وبالتالي تحقيق التفوق الرياضي. ثمة أنواع أخرى من "الضغط" لها أيضاً تأثير في المشاركين والجمهور (أنظر الموضوعين المتصلين).