لم تكن مصادفة أن يصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بغداد عشية ذكرى احتلالها، ووصل إليها وهي في خضم صراع سياسي بين أطراف الحكم التي تولت السلطة منذ عام 2003 على ما تبقى من آليات الحكم التي هندستها واشنطن على أساس المحاصصة بين الطوائف والأحزاب. ونقل بيان لوزارة الخارجية العراقية عن كيري قوله: «إننا نقف معاً لمواجهة الإرهاب وداعش»، مشيرا أنه «استغل الاجتماعات التي عقدها في البحرين مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجيّ لحشد الدعم، ومساندة العراق في حربه ضد الإرهاب». وأعلن تقديم مبلغ 155 مليون دولار مساعدات إنسانية للنازحين. وعقد الوزير الأميركي سلسلة اجتماعات مع رئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، ونظيره العراقي إبراهيم الجعفري، بالإضافة إلى رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان بارزاني. وأعلن كيري أن التحالف الدولي، بقيادة الولاياتالمتحدةوالعراق «سيزيدان الضغط» على «داعش» و «يواصلان» الضربات التي تستهدف قادة هذا التنظيم. وأضاف أن «تحرير» الموصل «يأتي على رأس لائحة الأولويات». وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في السفارة الأميركية في بغداد، رداً على سؤال عن قدرة القوات العراقية على تحرير المدينة، إنها «ستتحرر في نهاية المطاف»، رافضاً في الوقت نفسه تحديد تاريخ الهجوم عليها. وكان الناطق باسم قوات التحالف ستيف أوستن، أعلن الخميس أن «القوات مستعدة لاسترداد الموصل أكثر من استعدادها لاستعادة الرقة التي تعتبر عاصمة التنظيم في سورية». ومع أن كيري لم يعلن التوسط بين الأطراف العراقية لحلحلة الأزمة السياسية المتفاقمة منذ شهور والمطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط وإنهاء نظام المحاصصة الذي حكم العراق منذ عام 2003 برعاية أميركية، إلا أن مطلعين يؤكدون أن واشنطن تخوض تفصيلياً في حوارات القوى العراقية، خصوصاً مع نهاية المهلة التي حددها البرلمان لرئيس الحكومة حيدر العبادي لاختيار وزرائه وتقديمه أسماءهم، وعدم توافق القوى السياسية على قبول هذه التشكيلة. ويفترض أن يصوت البرلمان غداً على تشكيلة وزارية من 16 حقيبة قدمها العبادي قبل أيام، غير أن اعتراضات كبيرة تواجهه، بعضها يتعلق برفض اختياره الوزراء في معزل عن القوى والمكونات، وهذا جوهر الاعتراض الكردي، وآخر يعترض على بعض الأسماء، بالإضافة إلى مطالبات باستقالة العبادي نفسه من حزبه السياسي «الدعوة» ليتسنى له تشكيل حكومة من المستقلين. وعرض زعيم المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم مبادرة جديدة لحل الأزمة، لا يتوقع أن تنال توافقاً كاملاً، فيما طالب الزعيم الديني مقتدى الصدر الذي مازال يهدد بتجديد الاعتصام أمام المنطقة الخضراء، بنقل جلسة البرلمان مباشر، «ليتسنى معرفة المواقف الصريحة للكتل». وتأتي التطورات السياسية متزامنة مع تطورات عسكرية لصالح الجيش، الذي نجح أمس في استعادة هيت بالكامل من تنظيم «داعش». وأكدت قيادة العمليات المشتركة في ساعة متأخرة ليل أول من امس، تحرير مركز المدينة، معلنة في بيان أن «أبطال قوات جهاز مكافحة الإرهاب واللواء 73 الفرقة 16 من الجيش، تمكنوا من الوصول إلى مركز مدينة هيت ورفع العلم العراقي فوق بناياتها».