واصلت مؤشرات النمو المتوقع للاقتصاد الألماني انخفاضها للشهر الثالث على التوالي هذه السنة، على رغم الاستمرار في تحقيق نمو فعلي على الأرض بفضل الوضع الجيد في سوق العمل، وفائض قياسي في موازنة عام 2015 بلغ 19.4 بليون يورو. ولمس الخبراء تناقضاً غير معهود كثيراً بين الوضع الاقتصادي الجيد حالياً وتخوف الشركات وأرباب العمل من المحاذير الآتية من الخارج، خصوصاً من الولاياتالمتحدة وفقاً لكبير خبراء مصرف «دويتشه بنك» اولريش شتيفان أخيراً. وعكست مؤشرات النمو المتراجعة أخيراً أجواء منقبضة وقلقة بوضوح لدى الشركات الألمانية وأرباب العمل. فقد تراجع مؤشر «ايفو» الصادر عن «معهد البحوث الاقتصادية» في ميونيخ، والذي يستطلع شهرياً سبعة آلاف شركة ألمانية، للمرة الثالثة على التوالي في آذار (مارس) الماضي، وكذلك مؤشر توقعات النمو ل «معهد البحوث الاقتصادية الأوروبية» في مانهايم «زد اي في» الذي تراجع للمرة الثالثة. وقال رئيس معهد «إيفو» هانس فرنر زِن «إن قلق الاقتصاد الألماني يتزايد، خصوصاً في قطاع الصناعة»، مضيفاً أن أرباب العمل «ينظرون بتشاؤم أكبر إلى آفاق أعمالهم خلال الأشهر الستة المقبلة». صحيح أن القطاع الخاص والحكومة يتوقعان تحقيق معدل نمو من 1.7 في المئة هذه السنة يماثل النمو الذي تحقق في العام الماضي، إلا أن معهدي بحوث الاقتصاد «دي اي في» و «ار في اي» عادا وخفضا توقعاتهما للنمو هذا العام إلى 1.4 و 1.6 في المئة على التوالي. ونقلت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية» في برلين، تفهَّم كبير خبراء مصرف «ديريكت بنك انغ - ديبا» كارستن بجريسكي التخوفات هذه مشيراً «إلى وجود جملة من الأخبار السلبية حالياً التي تثير القلق من المستقبل». ولفت إلى أن القلق «يستبد حالياً بكبار مسؤولي الشركات الألمانية إزاء تراجع الطلب في العالم على المنتجات الاقتصادية». وعزا الخبير السبب «إلى انخفاض سعر النفط الذي ينعكس سلباً على الصناعة على رغم ان انخفاض السعر عامل إيجابي في الإنتاج وفي خفض كلفته في العادة». وأردف أنه يمكن فهم التناقض من خلال فهم واقع أن الدول المصدِّرة للنفط تحصل على عائدات مالية أقل كثيراً من السابق، ما يدفعها إلى خفض حجم استيرادها من الدول الصناعية. وأعلن المكتب الاتحادي للإحصاءات في فيسبادن أخيراً أن الصادرات تراجعت في كانون الثاني (يناير) الماضي فعلاً بنسبة 1.4 في المئة عن الشهر ذاته من العام الماضي، وهو ثاني تراجع يسجل أخيراً. وتابع بريجسكي أن الاقتصاد الألماني يعاني أيضاً من ضعف الاقتصاد الأميركي، خصوصاً بعدما تواترت معلومات وأنباء أخيراً عن انتهاء فترة الانتعاش والنمو فيه اثر هبوط الأسهم في البورصة وتراجع حجم الإنتاج والصادرات، وتخوّف بنك الاحتياط الفيديرالي من كون الشركات الأميركية الضخمة غير قوية بما فيه الكفاية لمواجهة تداعيات ضعف الاقتصاد العالمي. ورأى الخبير في مصرف «فاو بي بنك» توماس غيتسل أن التداعيات الأخيرة التي حصلت في بورصة فرانكفورت، وإقفال الحدود الداخلية في أوروبا بسبب أزمة اللاجئين، اثارت هلع الشركات الألمانية التي تعتمد بدرجة كبيرة على التصدير. ودلّ على هذا الهلع مؤشر الشراء «أينكاوف مينجر اندكس» الذي يستطلع شهرياً الف مسؤول بيع وشراء ألماني، اذ هبط معدل التوقعات فيه من مستوى النمو الذي سُجل في نهاية عام 2015 إلى مستوى الركود حالياً. في المقابل أعلنت وزارة الاقتصاد والطاقة الاتحادية أخيراً أن الشركات الألمانية حققت مطلع السنة أعلى حجم من الإنتاج منذ أيلول (سبتمبر) 2009، حين بدأت الأزمة المالية والاقتصادية في أوروبا. وقالت إن النمو الاجمالي ارتفع في الشهر الأول من هذه السنة إلى 3.3 في المئة مقارنة بكانون الأول (ديسمبر) 2015، علماً أن المحللين والخبراء كانوا يتوقعون زيادة من 0.5 في المئة فقط. وزاد قطاع البناء بنسبة 7 في المئة، كما تحسن الإنتاج الصناعي جيداً خلال الأشهر الستة الماضية. ولا تزال الوزارة تتوقع أن يحقق الاقتصاد الألماني معدل نمو مقبولاً في الربع الأول من العام الحالي.