على الوجه الآخر من صورة صعود نجم «الطيب» طيب اردوغان، على ظهر سفن «اسطول الحرية»، لا بد من ملاحظة افول النجم العربي، بكل اصنافه وتنوعاته. وليس قليلاً أن تملأ اعلام تركيا ساحة مهرجان «حزب الله»، وأن يعمد امينه العام الى مقارنة ما يستطيع «العلم الاحمر» أن يقوم به، مقارنة ب «العلم الاصفر». لكن الدرس من كل ذلك أن رئيس حكومة تركيا يملأ فراغاً موجوداً في المنطقة، يطلق عليه ايضاً عجز العرب واستقالتهم من اي دور لهم، سلبي او ايجابي، وترك ساحتهم ملعباً لأهواء الآخرين ومصالحهم. بهذا المعنى ليست تركيا هي التي «تعود الى الامة»، بل هم العرب الذين يغادرونها. تركيا العثمانية خرجت، أو أُخرجت على الأصح، تحت وطأة تلك المشاعر القومية العربية في وجه «تتريك» المنطقة، التي باتت احلاماً اليوم. واذا كان لتركيا ان تعود، فلأن هذه المشاعر تذوب وتحل محلها مشاعر الطوائف والقبائل والاعراق المتناحرة. وعندما يقف العرب متفرجين ومصفّقين للنجم التركي الصاعد، ألا يخطر ببالهم السؤال عما باتت اليه احوالهم، التي تتيح ل «الجوار العربي»، حسب التعبير المحبّب للامين العام لجامعة العرب، أن يقطف ثمار الازمات القائمة في هذه المنطقة، واهمها الصراع مع اسرائيل، ويحصد منها شعبوية جاهزة للتوظيف في الداخل ضد المعارضين، سواء كان ذلك في انقرة او في طهران، وفي العلاقات والمصالح مع الدول الاخرى، ما خص منها قضية ايران النووية او نفوذ تركيا الاقليمي وعلاقاتها مع الاوروبيين والادارة الاميركية. في مناخ كهذا يتحول اردوغان الى عبد الناصر الجديد في احلام العرب. عبد الناصر الذي ارتفعت صورته في ساحات الضاحية الجنوبية من بيروت، في مفارقة غريبة من قبل حزب لا تُعتبر قومية الزعيم المصري الراحل في عداد ما يُعرف انه مُغرم به. لكنها مناسبة اخرى لاستثمار المشاعر، من اي صوب اتت، وبصرف النظر عن حقيقة القناعات وصدق المواقف. ومثلما لا تثير الصور اي سؤال عن الانجازات التي خلّفها الرئيس المصري الراحل وراءه، فضلاً طبعاً عن ارث العام 1967 الذي لا نزال ندفع ثمنه ونعالج ذيول مأساته الى اليوم، من المستبعد ان تثير صور اردوغان واعلام بلاده اي سؤال عن انجازاته فيما يتعلق بقضية فلسطين، بعد غياب مانشيتات الصحف واقفال صالونات التهاني بمهرجان «الحرية». ليس غريباً ان تكون «العودة التركية الى الامة» على يد اردوغان ذاته، زعيم الحزب الذي يميل الى القطع مع القومية التركية الحديثة بمعناها العنصري المنغلق حيال العرب، الذي ارساه اتاتورك، وزعيم الحزب الاسلامي الذي يستمد الكثير من قناعاته من افكار احزاب اسلامية في دول عربية، الاخص منها «الاخوان المسلمون». وهي احزاب، كما هو معروف، تناصب الحركة القومية العربية العداء، ولا تمانع في ان تجد نصيراً لموقفها هذا من حيث اتى. لكن، على الرغم من ذلك، وعلى رغم الاغراءات التي تدفع الى المقارنة، هناك مسافة كبيرة تفصل بين ما يستطيع اردوغان ان يفعله بتركيا وما حققته الثورة الاسلامية في ايران، سواء فيما يتصل بالعلاقات مع اسرائيل، او باوضاع الداخل في كل من البلدين. في ايران قام الخميني، الذي يحتفل الايرانيون بالذكرى الحادية والعشرين لوفاته، بانقلاب كامل قضى فيه على كل جذور النظام السابق. غير ان بين اردوغان وانقلاب كهذا على نظام تركيا العلماني عقبات كثيرة في الداخل، فضلاً عن ان رئيس حكومة تركيا جاء نتاج عملية ديموقراطية، لا ثورة دينية، وهي عملية لا تستطيع سوى الخضوع للمحاسبة الشعبية، والا فتحت الباب امام القوى غير الديموقراطية المتربصة بها، وابرزها الجيش، لمواجهتها بالقوة.