من يوجّه لي وأنا مقفي «سهم» ما يواجهني وأنا مقبل «حسام» قديما قال عنترة: «هل غادر الشعراء من متردم؟»، وقال المعري: ما أرانا نقول إلا معارا أو معادا من قولنا مكرورا والأمير الشاعر بدر بن محمد في البيت السابق يتقمص بالبطولة والإقدام، وحب المواجهة والصراحة، ويأنف من الختل والمراوغة والطعن من الخلف، فهو يحب أن يجابهه من يريد النيل منه وجهاً لوجه، ويصف بالجبن والضعف وانعدام الفروسية ذلك الذي يطلق السهام على الظهور ولا يستقبل السيوف بصدره، وبالتأمل في المعنى الفروسي في هذا البيت نجد أنه يضارع قول حسان بن ثابت: «ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا... ولكن على أعقابنا تقطر الدما». لكن التناص المعنوي، الذي يؤكد أن النسق العروبي الفروسي هو ما يصنع القصيدة في ذات الشاعر وينطق بها، يستنطق هذا المعنى في أبهى صوره لدى المتنبي، إذ يقول وهو في إحدى المعارك، عندما وجّه إليه أحد المنتسبين إلى عائلة سيف الدولة مطراً من السهام من الوراء، وقال: خذها وأنا فلان بن فلان... فأجابه المتنبي: ومنتسبٍ عندي إلى من أحبه وللنبل حولي من يديه حفيفُ فهيج أشواقي وما من مذلة حننتُ ولكنّ الكريم ألوفُ ونفسي له نفسي الفداء لنفسه ولكن بعض المالكين عنيفُ فإن كان يبغي قتلها يك قاتلاً بكفيه فالقتل الشريف شريفُ بإجراء مقاربة نقدية بين المقطع السابق للمتنبي، وبين بين الشاعر الذي يستنكر من يرميه بالسهام من الخلف، ويطلب منه أن يواجهه بحسامه ويقاتله بشرف، نتوصّل إلى وحدة موضوعية ومعنوية بين بيت المتنبي وبيت الشاعر النبطي الذي يطل برأسه من عمق الجزيرة العربية، وكلاهما لسان واحد، يدعو إلى الصدق، والبسالة، ويستنكف عن ممارسة الكيد والحقد الخفي على الأقران والخصوم.