تتخبط إسرائيل في سبل صد الانتقادات الدولية على عمليتها العسكرية الدموية ضد «أسطول الحرية»، وتشهد قيادتها انقساماً في الرأي في شأن طبيعة «التحقيق» الواجب إجراؤه في أعقاب قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية. وفي وقت يسود إجماع على رفض التعامل مع لجنة دولية برعاية الأممالمتحدة، كما أعلن صراحةً أمس وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فإن ثمة ميلاً لدى بعض أركان الحكومة لقبول اقتراح الولاياتالمتحدة تشكيل «لجنة فحص» أو تحقيق إسرائيلية يشارك فيها «مراقبون» أجانب، كل ذلك من أجل قطع الطريق على إجراء تحقيق دولي. وقال ليبرمان في تصريحات إلى وسائل الإعلام العبرية أمس إن «إسرائيل لا تخشى أية لجنة، لكن عليها أن ترفض كل طلب لتشكيل لجنة تحقيق دولية». وأضاف أنه يؤيد تشكيل لجنة فحص إسرائيلية «مفتوحة وشفافة» برئاسة رجل قانون رفيع المستوى في وسعها التحقيق الموضوعي والمهني في أحداث اعتراض قافلة السفن، «ويجب على إسرائيل أن تبادر إلى تشكيل اللجنة ويمكن أيضاً إشراك مراقبين دوليين فيها». وهاجم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على قراره تشكيل لجنة تحقيق. وقال إنه «لا ينبغي التعاطي مع هذه الجهة. رأينا مفهوم حقوق الإنسان لدى القاضي غولدستون الذي أصدر 18 حكماً بالإعدام إبان عهد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا». وتطرق إلى سفينة «ريتشل كوري» المبحرة نحو قطاع غزة، قائلاً ان إسرائيل تجري اتصالات متواصلة مع جهات في ارلندا وسفيرها في تل أبيب «واقترحنا عليهم اقتراحات بناءة لمنع وصول السفينة والحيلولة دون مواجهة، لكننا مع كل هذا لن نسمح كدولة تتمتع بالسيادة، لا للسفينة الإرلندية أو لغيرها، بالوصول إلى شواطئ غزة، وأوضحنا ذلك للإرلنديين». ورفض الرد على ما إذا كانت إسرائيل ستلجأ إلى القوة لمنع السفينة من الوصول، لكنه أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي وسلاح البحرية «استخلصا العبر من أحداث قافلة السفن وسيكونان مستعدين على نحو أفضل مما كان لمواجهتها». وحمّل ليبرمان تركيا مسؤولية تردي العلاقات مع إسرائيل وقال إنه «لا يوجد لدينا ما نعتذر عنه، لكننا مع ذلك لسنا معنيين بتسخين الجبهة مع تركيا». ورداً على الاتهامات الموجهة إلى وزارته بفشلها في حملتها الإعلامية الدولية لتبرير الهجوم، وهي حملة اعتبرها وزير الدفاع إيهود باراك «مخزية»، قال ليبرمان إن «المجتمع الإسرائيلي مصاب بداء جلد الذات ولا يريد أن يدرك أن لمساعينا الديبلوماسية الدولية حدوداً يفرضها عالم من المصالح». وقلل من شأن الخلافات مع الولاياتالمتحدة. وقال إنه متفائل في أعقاب تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أول من أمس «الواضحة جداً والموضوعية» المؤيدة حق اسرائيل في تفتيش السفن التي تتجه إلى غزة لمنع تهريب الأسلحة. واستدرك: «صحيح أن هناك خلافات ولا نرى كل الأمور بالمنظار ذاته، لكنني لست قلقاً». وكان وزيرا الصناعة والتجارة بنيامين بن اليعيزر والأقليات أفيشاي برفرمان أعلنا في جلسة وزراء حزب «العمل» تأييدهما إقامة لجنة تحقيق دولية، «لأنه ليس هناك ما نخفيه، ويجب تهدئة الانتقادات»، كما قال بن اليعيزر، فيما عارض هذه الفكرة في شدة الوزيران من «ليكود» نائب رئيس الحكومة موشيه يعالون ووزير المال يوفال شتاينتس. وقال يعالون: «علينا ان نرد من دون تردد أن إسرائيل دولة ديموقراطية مستقلة وليست جمهورية شكلية». واقترح شتاينتس تشكيل «لجنة تقصي وقائع» من قبل لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، إلا انه لم يستبعد «لأسباب تكتيكية» أن «تضطر إسرائيل مع الأسف إلى حل آخر». ودعت زعيمة المعارضة تسيبي ليفني الحكومة إلى الإسراع في التنسيق مع واشنطن في شأن المعادلة الصحيحة لإقامة «لجنة فحص إسرائيلية» من أجل إبقاء العالم خارج بوابة إسرائيل والحيلولة دون إخضاع الجنود الإسرائيليين إلى مساءلات دولية. اقتراحات أميركية وكانت صحيفة «هآرتس» أفادت أن واشنطن هي التي اقترحت على إسرائيل أن تبادر إلى تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية بمشاركة مراقب أميركي. وأضافت أن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يتحفظ عن الفكرة إزاء معارضة وزير الدفاع الذي يؤيد المؤسسة الأمنية في موقفها القائل إنه لا يجب وضع الجيش تحت رحمة أية لجنة تحقيق، وأن الجيش نفسه قادر على إجراء فحص واستخلاص العبر. وأشارت الصحيفة إلى أن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيمس جونز وكبار المستشارين لشؤون الشرق الأوسط قدمو الاقتراح لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي اراد وموفد نتانياهو إلى واشنطن اسحاق مولخو، مبررين الاقتراح بأن تشكيل اللجنة سيلقى رداً دولياً طيباً وفي الوقت ذاته لن يمس بحق إسرائيل في أن تجري بنفسها تحقيقاً من دون تدخل دولي. تفويض محدود وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نتانياهو يميل إلى قبول الاقتراح الأميركي كونه «أهون الشرور»، خصوصاً أن لجنة كهذه ليست مخولة «استخلاص عبر» في كل ما يتعلق بالقرارات السياسية التي سبقت الهجوم على السفن، أي أنها ليست مؤهلة تقديم توصيات ضده أو ضد باراك. وتابعت أن عمل اللجنة المقترحة سيتمحور في عملية السيطرة على السفن لا في سيرورة اتخاذ القرار السياسي لتنفيذ العملية. وأشارت الصحيفة إلى أن لجنة كهذه أفضل بكثير من لجنة أممية على غرار «لجنة غولدستون» التي حققت في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، كما أنها أفضل، بالنسبة إلى المستوى السياسي من «لجنة تحقيق رسمية» تشكلها إسرائيل برئاسة قاض من المحكمة العليا تتمتع بحسب القانون بصلاحيات واسعة منها التوصية بإطاحة رئيس الحكومة أو وزير الدفاع في حال رأت أنهما مسؤولان عما حصل. في غضون ذلك، شرعت وزارة القضاء في إعداد الترتيبات اللازمة لمواجهة احتمال تعرض باراك وشخصيات عسكرية أخرى رفيعة شاركت في إقرار الهجوم على السفن لأوامر اعتقال في دول أوروبية أو لاحتمال التوجه إلى المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي. وقالت «هآرتس» إن القانون يتيح لتركيا، إن رغبت في ذلك، التوجه إلى المحكمة بطلب التحقيق في مقتل تسعة من مواطنيها على يد الجنود الإسرائيليين. إطلاق سراح الناشطين إلى ذلك، (أ ف ب)، اعلن ناطق اسرائيلي ان 527 ناشطاً كانوا على متن «اسطول الحرية» الذي كان متجهاً الى قطاع غزة وتعرض لهجوم من الجيش الإسرائيلي، غادروا جواً ليل الأربعاء - الخميس الى تركيا واليونان. وأوضح ان ثلاثة ناشطين فقط يتحدرون من ارلندا وإيطاليا وأستراليا بقوا في اسرائيل «لأسباب تقنية». ولفت الى ان 7 ناشطين اصيبوا خلال الهجوم، لا يزالون في مستشفيات داخل اسرائيل، وأن جثث الضحايا التسعة نقلوا في طائرة خاصة الى تركيا. وأعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية ان «المواطنين الألمان الستة غادروا اسرائيل متوجهين الى تركيا». وكانت برلين اعلنت ان خمسة من رعاياها اعتقلوا، وأن السادس موجود في مستشفى قرب تل ابيب. وشارك ما مجموعه 11 ألمانياً في الأسطول تم ترحيل خمسة، من بينهم نائبان من حزب اليسار المتطرف «داي لينكه» ونائب سابق وطبيب. واتهم ناشطان سويديان اسرائيل بارتكاب «جرائم متعمدة» في هجومها على سفينة «مرمرة». وأعلن المؤرخ وباحث تاريخ الأديان ماتياس غاردل للإذاعة السويدية عند وصوله الى اسطنبول: «شهدنا جرائم متعمدة (... ) كان هجوماً عسكرياً على عملية مساعدة انسانية». وروت زوجته مانغا: «رأيت طاقم الأمن التابع للسفينة يحاول منع الغواصين من الصعود (...) ثم قال احد زملائنا ان (الجنود) يطلقون النار وقتلوا ثلاثة اشخاص (...) وكان علينا ان ننبطح ارضاً. كنا على سطح السفينة، وكان يمكن ان نموت». وقال غاردل: «اذا تعرضتم لهجوم من قوات كومندوس، لديكم طبعاً الحق في الدفاع عن النفس (...) وكثيرون اعتقدوا اننا سنقتل (...) هل كان يجب ان نظل جالسين ونقول هيا اقتلونا». وأضاف: «اسرائيل ليست شرطياً لا يحق لأحد ان يدافع عن نفسه ازاءه ... من المهم ان نجري تحقيقاً مستقلاً فوراً»، كما «من المهم ان نبدأ حواراً مكثفاً مع اسرائيل لإقناعها بتغيير سياستها ازاء غزة». وأعلنت وزارة الخارجية اليونانية ان طائرة تابعة لسلاح الجو اليوناني اعادت من اسرائيل الى اليونان ليل الأربعاء الخميس 35 ناشطاً شاركوا في اسطول المساعدات الإنسانية الى الفلسطينيين. وقالت ان الطائرة اقلت 31 يونانياً هم آخر من تبقى في اسرائيل، بالإضافة الى ثلاثة فرنسيين وأميركي واحد. وكان في استقبال الناشطين مساعد وزير الخارجية ديميتريس دروتساس في مطار أولويسيس العسكري غرب اثينا حيث تجمع عند مدخل المطار 300 شخص وهم يرددون هتافات ضد اسرائيل.